محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

صورة محتملة للعالم المقبل

نقر الكاتب على حرف (م) ليجد أن الكلمة التي أراد كتابتها قد تبدلت من «سلام» إلى «سلاح». أعاد الطبع من جديد وصلح الخطأ.
ذلك الكاتب يطبع بسرعة إذا ما كان ينظر إلى حروفه. عندما تخاطبه زوجته أو تقفز قطّـة البيت أمامه فيسمع للأولى أو ينظر للثانية فإن أصابعه تذهب إلى أحرف أخرى على طول الخط، وهكذا وجد، عندما توقف عن الاستماع إلى زوجته والنظر إلى قطته أنه كتب شيئا مثل «ع3هيه3 مثسمثع جيمشميل جوندا». ما اضطره للعودة إلى مطلع هذه العبارة المليئة بالأخطاء ومحوها ثم كتابة ما كان يرغب في كتابته: «أشعر بالبهجة في كل يوم جديد».
لكن العلم يخبرنا أن هذا الشعور لن يدم طويلاً. إذا لم تقضِ عليه الظروف وأحوال الدنيا والبيئة وما إلى ذلك، سيقضي عليه العلم، لأن مستقبل الكتابة يختلف عما هو عليه الآن. وكما يُخطط لكي يصبح سائق التاكسي روبوتاً أو لتصبح سيارة التاكسي بلا سائق أصلاً، وكما يُخطط لهجوم الآندرويد للعمل مكان الآدميين بلا أجور في كل الميادين، فإن هناك من سيحل مكانه متمتعاً بذكاء اصطناعي أعلى من ذكاء الإنسان.
لاحظ أن الإنسان في العصر الحجري بدأ الكتابة بالحجر نفسه ناحتا ما يريد التعبير عنه كما تؤكد الاكتشافات التي توزعت ما بين مصر وإسبانيا وفرنسا وسواها.
بعد ذلك استخدم الفحم والحبر وأصبعه في رسم الكلمات. وفي القرن الميلادي الثالث تم استخدام العظام الرقيقة للكتابة. وعلى أيام أبي العلاء المعري وابن خلدون وأوسكار وايلد وويليام شكسبير كانت هناك الريشة المغمّسة بالحبر الوارد من الصين.
ثم تحرك العلم خطوات إلى الأمام متدخلاً بين الدماغ والورقة فصنع للإنسان الآلة الكاتبة. ككل شيء آخر، جاء الاختراع كبير الحجم، ثم تم تصغيره لكي يستطيع الكاتب الانتقال به إلى غرف فنادق أوروبا ذات الجدران الرقيقة ليزعج جاره بصوت النقر العالي على الآلة في الساعة الثالثة صباحاً إذا لمعت في رأسه فكرة. رغم ذلك كان حلاً عملياً لمن يشبه خط يده خربشة بقدم الدجاجة.
ثم جاء الكومبيوتر وكان بدوره كبير الحجم لا تملكه إلا الدول المتقدمة مثبتاً على الجدران وبكابلات حمراء وزرقاء وصفراء تخرج منه وتتوزع في أرجاء المؤسسات الحكومية خصوصاً السرية. بعد ذلك تم تصغيره خدمة للشعب وللمؤسسات الإلكترونية طبعاً فأقبل الناس عليه أيما إقبال.
في هذه الأثناء يتابع العلم عمله بكل تؤدة واعدا البشر بأنه سيحيلهم إلى التقاعد بغض النظر عن مهنهم. الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي سيعملان على نشر البطالة بين الناس خدمة للمؤسسات التي كانت دائماً ما تشكو من الرواتب والأجور ومستلزمات الرعاية الطبية وضرائب الموظفين والتعويضات الخ...
طبعاً هناك من يعتقد أن فيما سبق مغالاة وأن الآلة ربما تستطيع أن تطبع من دون أخطاء لكنها لن تحب. لنسأل الروبوت إذا ما كان يكترث في أن يَحب أو يُـحب. فحتى يعمل بإتقان عليه أن يخلو من المشاعر. لن يتزوّج ولن ينشأ أسرة ولن يجلس في المقاهي ليلعب طاولة الزهر ولن يربي قطة. سينظر إلينا ويرسل لنا «إيموجي».