كارا ألايمو
TT

الخصوصيات إلى أين؟... الأميركيون مثالاً

إن كنت في انتظار مولود جديد، فشركة «تارغت» تريد أن تكون أول من تعلم. فالشركة قد استثمرت في مجال الأبحاث لتحديد النساء الحوامل مبكراً استناداً إلى عاداتهن في الشراء لتقوم بعد ذلك باستهدافهن بإعلانات عن ملابس الأطفال حديثي الولادة. وفي الوقت الذي تقوم فيه شركات مثل «تارغت» بجمع البيانات عن العملاء الذين يشترون من منتجاتهم لترسل لهم بعدها بإعلانات مصممة حسب احتياجهم عبر الإنترنت، فهناك الكثيرون ممن يهتمون بجمع معلومات عنا أيضاً عبر الإنترنت، مثل الأشياء التي نبحث عنها من خلال موقع البحث «غوغل». ويساعدهم ذلك في معرفة أننا نخطط للقيام مثلاً برحلة إلى «غراند كانيون»، فيقومون بإرسال إعلانات لنا عن الفنادق المحلية، ويحدث الشيء نفسه عند البحث حتى عن نوع من الفيتامينات مثلاً.
يرى الكثيرون أن ذلك ينطوي على قدر من التطفل والتدخل في خصوصياتنا من قبل تلك الشركات نظراً لقيامها بجمع بيانات حساسة عن علاقاتنا وعن تاريخنا المرضي، ومن ثم استغلالها لأسباب تجارية، وهو ما قد يسهم في حدوث انقسام اجتماعي. على سبيل المثال، يحدد موقع فيسبوك معتقداتنا السياسية استناداً إلى الصفحات التي نحددها وإلى ما نفضله في صفحة بياناتنا. فإذا قام نظام العد الحسابي باعتبارنا متعصبين أو ليبراليين وجرى استهدافنا بإعلانات تتعلق بتلك الميول، فقد ينتهي الأمر بأن نفشل في فهم ما يفكر فيه غيرنا من ذوي الاتجاهات السياسية المختلفة لأننا ببساطة لا نقرأ إلا ما نود قراءته. وقد جادل الباحث في شؤون الإنترنت إيلي باريسر بالقول إن الولايات المتحدة مستقطبة عبر الإنترنت بدرجة كبيرة، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي استخدمت ما يسمى بـ«فقاعات الترشيح».
للإعلانات السياسية الموجهة نفس التأثير، وهذا من ضمن الأسباب التي أدت إلى خروج قانون جديد في مايو (أيار) القادم في الاتحاد الأوروبي ليعطي الناس «حق رفض» الدخول إلى بياناتهم الشخصية سواء لأغراض تجارية أو لغيرها.
وفي ذات السياق، كتب أندرو أسنيب في إحدى تغريداته يقول «أليس من حقي أن أستشار قبل أن يفتح غيري رسائلي ويقرأها؟ ألا تفكر بنفس المنطق؟»، وقد واجه القانون الجديد معارضة قوية من القائمين على صناعة الإعلانات الذين جادلوا بأن هذا القانون سيقلص العائدات التي يحتاجها الإعلام. وأفاد الخبراء بأن المواقع الإلكترونية يتعين عليها تقديم محتويات ذات قيمة أثمن للمستخدمين لكي يحفزوهم على السماح لهم باستخدام بياناتهم.
ورغم أن الدافع من سن قانون الاتحاد الأوروبي الجديد هو تعديل التعليمات الخاصة بالقيود المفروضة على الشركات وطريقة إعلانها عن نفسها في مختلف أنحاء العالم، يقول المهندس السابق في شركة «غوغل»، جيمس رزيف، إنه من المرجح أن يسمح القانون للمستخدمين بالإنسحاب من قاعدة بيانات المعلنين التي تتبع مستخدمي الإنترنت أثناء تصفحهم لمختلف المواقع. ورغم أن هذا الإجراء من شأنه أن يقلص البيانات التي تجمعها الشركات، فإنه لا يسمح للمستخدمين بالانسحاب من قاعدة بيانات الإعلانات التي تستهدفهم كلياً طالما أن هناك قنوات أخرى تستطيع تلك الشركات من خلالها جمع بياناتهم مثل التسوق من المتجر مباشرة ليقوم بعدها بعملية التصنيف والبحث عن العملاء. وهذا ما جعل مهندس «غوغل» السابق رزيف يقول إنه على الأميركيين تحديد أساليب أكثر تقدماً لتحديد ما يعلمه المعلنون عنا.
أولاً: على سبيل المثال، علينا أن نحدد ما إذا كانت شركاتنا بمقدورها جمع بيانات جينية عنا (النوع والسن والموقع)، أو معلومات عما نفعله مثل البحث عن حالة مرضية معينة، أو كليهما. بصفة عامة، فإن البحث عن معلومة «ماذا نفعل» كفيل بإخافة الناس، لأن هذا إن استخدم بطريقة خاطئة سيجعل الناس تعتقد بأن «غوغل» يطاردها.
ثانياً، على الأميركيين أن يقرروا أين ومتى تجمع بياناتنا. مثلاً، قد يشعر بعض الناس بالراحة من أن هناك من يتتبعهم على موقع البحث ليعرف عاداتهم في الشراء ليقدم لهم النصح وفقاً لذلك. لكنهم لا يرحبون بأن يعلم الغير عن بياناتهم الشخصية عبر الإيميل الشخصي أو إيميل العمل. ولذلك ربما نريد أن نتوقف عن السماح لمحركات البحث بتتبع نشاطاتنا عند البحث عن شيء خاص مثل الأعراض المرضية مثلاً.
ثالثاً، ربما نريد أن نقرر ما إذا كنا نرحب بأن نستهدف بالإعلانات استناداً إلى عاداتنا في الشراء. وهنا يقول روزيف، «قد لا ترحب الفتيات غير المتزوجات الحوامل ويفضلن الانسحاب من الإعلانات الموجهة لأنهن لا يرغبن في أن يعلم أحد بذلك قبل الأوان أو حتى قبل عائلاتهن. وفي المقابل، قد يكون هناك من يبحث عن علاج لأعراض معينة، ولذلك سيرحب بالإعلانات الموجهة طالما أنها ستساعده في الوصول إلى تشخيص وفي الحصول على الدواء، وهناك من سيسعد بالعثور على ماركة ملابس يفضلها في متجر يحبه».
ولذلك يقول رزيف إنه إن أراد الكونغرس تمرير هذا القانون، ينبغي على المشرعين السماح للأميركيين باختيار بين عدة طرق لجمع بياناتهم واستخدامها. ولنسهل الأمور على أنفسنا ولكي لا تكون بياناتنا مستباحة، يمكن لمنصات مثل «مايكروسوفت» و«أبل»
و«غوغل» بناء لوحات للتحكم تسمح للمستخدمين بالإجابة عن هذه الأسئلة ثم تقوم تطبيقات أخرى بالدخول على تلك المنصات الخاصة لتحدد خياراتنا.
أراهن أن غالبية الأميركيات لا يردن أن تعرف عائلاتهن بحقيقة حملهن قبل أن تعرف أسرهن بالخبر، لكن هناك الكثيرين الذين يودون معرفة أحدث المنتجات والخدمات.
ولذلك إن كان المعلنون نبهاء بما يكفي لتشخيص حالتنا الطبية قبل أن نعلم بها نحن، فعلى المشرعين أن يكونوا على القدر نفسه من النباهة بمنحنا خيار الانسحاب أو البقاء في قواعد بيانات الإعلانات الموجهة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»