أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

الكرة في ملعب الأمم المتحدة

بعد يوم واحد من محاولة فاشلة لاستهداف العاصمة السعودية الرياض من قبل ميليشيا «أنصار الله» الحوثية المدعومة من إيران، شهدنا تحركاً سريعاً متزامناً باتجاهين من قبل تحالف دعم الشرعية؛ الأول كان قراراً تكتيكيا مهماً بإعلان فتح الموانئ ومطار صنعاء لاستقبال المساعدات الإغاثية الدولية. وهذا القرار الكبير يستهدف مزيداً من التدفق للمساعدات من كل الاتجاهات، مع ما يقدمه «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية». إنما الحقيقة أن «مركز الملك سلمان» مع كل عطاياه الكريمة ونجاحاته في إنقاذ الملايين من المتضررين، لا تزال خطواته تتعثر في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون. ورغم جهوده لإيصال هذه المساعدات، لكنها كانت تصل إما منقوصة جراء سرقات الانقلابيين، أو أنها تعطَّل أساساً عن الوصول للمستحقين أو للجمعيات الراعية. ولتوضيح أكثر، فإن للمركز نهجين في تقديم المساعدات فيما يخص اليمن؛ توصيلها مباشرة للمتضررين بعد تحرير المناطق من سيطرة الحوثي، وتقديم مساعدات مالية للمنظمات الدولية المعنية مثل الصليب الأحمر واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية لتقوم بدورها في إيصال هذه المساعدات في مناطق سيطرة الحوثي، وهذه المنظمات بالمثل تلقى صعوبة في توصيلها نتيجة تكثيف الحوثيين مراقبة تحركات العناصر الأممية. مئات الملايين من الدولارات قدمها المركز بهذين الاتجاهين. لكن مع فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وتجهيز هذا الأخير بأربع رافعات لتعزيز رسوّ وتنزيل حمولة السفن، تبقى مسؤولية توزيع هذه المساعدات وإيصالها لمستحقيها في مناطق سيطرة الحوثيين، وتأمين هذه السفن وتفتيشها من خلال مركزها في جيبوتي، مسؤولية الأمم المتحدة.
«التحالف» يقول للعالم نحن فتحنا الموانئ والمطار للإغاثة البحرية والجوية، وفي مناطقنا التي نسيطر عليها نبذل الكثير لإعادة تأهيل اليمنيين صحياً ونفسياً وحتى تعليمياً، ونقيم مشروعات الإصلاح البيئي والزراعي، ولدينا جمعيات ومتطوعون ينقلون المساعدات إلى عمق المحافظات. تبقى المسؤولية على الأمم المتحدة ومنظماتها، ومعدي تقاريرها، في رصد حالات التجويع ومناطق الأوبئة، والبحث في أسبابها في مناطق سيطرة الميليشيا، والبحث في أن 20 ألف طفل يمني وقعوا ضحية الحوثيين تم تخصيص عملهم لزرع الألغام لعدم قدرتهم على حرب الشوارع، هؤلاء الأطفال بحاجة لرعاية نفسية من هول ما مروا به من ترويع.
هذه الصورة التي سيراها العالم عن الوضع في اليمن خلال شهر من الآن.
من جهة العمل العسكري، تحققت مكاسب سريعة للتحالف في وقت قياسي. خلال ساعات فقط، فمحافظة شبوة التي كان يستخدمها الحوثي لتهريب السلاح، أصبحت محررة باعتقال الانقلابيين وتسليم عتادهم. والمعارك اليوم في المحافظة المجاورة لها؛ أي محافظة البيضاء. والبيضاء لها ميزات كثيرة، منها أنها كانت أحد أكبر مراكز قوى علي عبد الله صالح ومؤيديه، لذلك تواجه اليوم تمرداً في الداخل سيسهل عملية اقتحامها تدريجياً من قبل الجيش الوطني. الأمر الآخر متعلق بأهميتها الجغرافية؛ فهي محاذية لصنعاء من جهة الجنوب، وبتحريرها تفتح بوابة المحافظات الغربية التي تحوزها جماعة الحوثي وهي إب وذمار مما يسهل دخول تعز التي عانت من مجاعة ممنهجة وقصف مدمر من قبل الميليشيات. هذا الحراك الشرقي أيضاً ترافق مع تحرك بدعم طيران التحالف شمالاً باتجاه حجة وعمران وصعدة، وبتحرير هذه الأخيرة ستنهار القوة المعنوية للحوثي.
ميليشيا الحوثي تعرف أنها تسير في منحدر منذ اغتيالها حليفها السابق علي عبد الله صالح، ولو كان الأمر بيدها لأعادته للحياة. الغضب الشعبي، وتوالي الإعلان عن انشقاقات من «المؤتمر الشعبي» من أتباع الحوثي وانضمامهم للقوات الوطنية، كل ذلك ترك الميليشيا تعيد ترتيب نفسها وتنتقل إلى خط الدفاع في محاولة للتشبث بما تملك. ومع تكشف حقيقة الصواريخ الباليستية التي هربتها إيران قطعاً، وتم تركيبها والتدريب عليها من قبل عناصر «حزب الله» اللبناني، وإطلاقها على العاصمة السعودية الرياض، ظهرت الميليشيا أمام المجتمع الدولي بصفتها منظمة إرهابية معتدية، وإحدى أذرع النظام الإيراني سيئ السمعة، ويجوز لردعها وكف أذاها كل السبل الممكنة.
ثلاثون يوماً، المدة التي سمح فيها التحالف لميناء الحديدة بأن يظل مفتوحاً... في هذا الشهر ستتواصل المواجهات، وستتغير على الأرض أوضاع كثيرة، وستحصل تحولات في ميزان القوى... لننتظرْ ونرَ.
[email protected]