ديزموند لاشمان
TT

الاقتصاد العالمي ودائرة الازدهار والكساد مجدداً

في أواخر عام 2008، وخلال اجتماع مع الأكاديميين في كلية لندن للاقتصاد، تساءلت الملكة إليزابيث الثانية: لماذا لم يتوقع أحد من الخبراء وقوع الأزمة المالية الأسوأ في العالم، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟ وما كان يُعرف بالركود الكبير، الذي بدأ في أواخر عام 2008 تحديداً، واستمر حتى منتصف عام 2009، وكان قد انطلق بسبب الانهيار المفاجئ لأسعار المساكن وغيرها من الأصول؛ الأمر الذي تبيّن في وقت لاحق، غير أنه رغم ذلك لم يكن من أحد قط يتوقع حدوثه.
فهل نحن على مشارف ارتكاب الخطأ نفسه؟ من المرجح للغاية أن يكون الأمر كذلك. ومن المؤكد، أن الاقتصاد الأميركي يحقق معدلات أداء جيدة، والاقتصادات الناشئة تحاول اللحاق بالركب. غير أن أسعار الأصول على المستوى العالمي تعاود الارتفاع مرة أخرى بسرعة تفوق قيمتها الأساسية، وبعبارة أخرى، فإنها قد تدخلت في فقاعة. ومع اعتبار حالة الصمت الافتراضية بين خبراء الاقتصاد حول المخاطر التي تشكلها، يجب على المرء التساؤل عما إذا كان في غضون عام أو اثنين، عندما يحين موعد انفجار هذه الفقاعة، بيد أن الملكة لن تعاود توجيه النوع نفسه من الأسئلة.
وهذا الصمت المطبق هو المثير للاستغراب، بالنظر إلى مدى انتشار الفقاعات اليوم عما كان عليه الأمر قبل عشر سنوات. في حين أن فقاعات عام 2008 كانت مقتصرة إلى حد كبير على أسواق الإسكان والائتمان الأميركية، ولكن يمكن العثور عليها الآن في كل ركن تقريباً من أركان الاقتصاد العالمي.
وعلى نحو ما حذر منه الرئيس الأسبق لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ألان غرينسبان، فإن سنوات السياسات النقدية غير التقليدية من قبل البنوك المركزية الكبرى في العالم قد خلقت فقاعة السندات الحكومية العالمية، مع أسعار الفائدة طويلة الأمد، التي هبطت إلى مستويات منخفضة للغاية.
وربما أنه قد أضاف أن هذه الفقاعة كان يصعب تحجيمها على سوق السندات السيادية فقط. وفي واقع الأمر، وصلت قيم الأسهم لارتفاعات فائقة تلك التي بلغتها ثلاث مرات فقط في القرن الماضي. وفي الأثناء ذاتها، فإن فقاعات الإسكان صارت واضحة للغاية في بلدان مثل أستراليا وبريطانيا وكندا والصين، في حين هبطت أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة على نحو استثنائي للديون ذات العائد المرتفع وديون شركات الأسواق الناشئة.
ولقد بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل في رفع أسعار الفائدة - وقبل أسبوع رفع من المعدل القياسي بواقع ربع نقطة مئوية - ولقد أعلن عن جدول لتخفيض الكمية الهائلة من الأوراق المالية الحكومية التي يستحوذ عليها. وفي الوقت نفسه، ومع الزخم الذي يشهده الاقتصاد الأوروبي والياباني، يشير كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان إلى أنه من المرجح أن يتابعا قريباً خطى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، من خلال تشديد السياسات المالية عن طريق رفع أسعار الفائدة.
ومن بين أسباب المخاوف من قرب انفجار الفقاعة هي خطوط الصدع لدى عدد من الاقتصادات الكبرى. إذ تعاني إيطاليا من كل من مشكلة الدين العام الخطيرة، والنظام المصرفي غير المستقر. والبرازيل تعاني الآن من الاضطرابات السياسية، في حين أن النظام المالي فيها يسير على مسار غير مستدام بصورة واضحة. ولدى الصين فقاعة الإسكان وأسواق الائتمان التي تتقزم بجانبها الفقاعة التي تشهدها الولايات المتحدة عند بداية القرن الحالي. وسوف تعقد لدى كل من البرازيل وإيطاليا الانتخابات البرلمانية الساخنة للغاية خلال العام المقبل.
ناهيكم بذكر الاضطرابات الاقتصادية التي قد تنشأ عن إنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، أو الناجمة عن تفاقم التوجهات الحمائية الأخرى، سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل أي دولة كبيرة أخرى. كما لا تثور الحاجة إلى ذكر أن الأحداث التي تعصف بشبه الجزيرة الكورية قد تخرج عن طوق السيطرة في أي وقت من الأوقات.
يبدو أن صناع السياسات قد خدعوا أنفسهم بشعور زائف من الأمن عبر الثقة العمياء بالنظم المصرفية الأكثر صرامة، التي وضعت في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008، ويبدو أنهم يغضون الطرف عامدين عن الدور المهيمن الذي تلعبه بنوك الظل (وتعني: صناديق التحوط، وصناديق الأسهم الخاصة، وصناديق رؤوس الأموال الكبيرة، وصناديق التقاعد) في النظام المالي الأميركي في الوقت الراهن. وعلى العكس من البنوك الخاضعة لتغطية لوائح دود - فرنك، فإن هذه المؤسسات المالية خاضعة لمستويات أخف من الرقابة المالية - ولكن، وعلى نحو ما تعلمنا بكل قسوة في عام 1998 عندما اضطر صندوق لونغ - تيرم لإدارة رؤوس الأموال التقدم بطلب الإنقاذ المالي، وهي خاضعة أيضاً لعمليات الإيداع مثلها في ذلك مثل البنوك العادية سواء بسواء.
ولقد فات الأوان بالفعل على صناع السياسات كي يفعلوا مزيداً للحيلولة دون تكون الفقاعات. ومع ذلك، فإنه ليس من السابق لأوانه بالنسبة إليهم البدء في التفكير حول الاستجابة بطريقة قد تُحررنا من دورات الازدهار والكساد التي كنا نعاني منها كل عشر سنوات تقريبا. ويمكنهم، على سبيل المثال، إنشاء برنامج من شأنه في حالة الانكماش الشديد أن يعطي كل مواطن منحة مالية ينفقها وفقاً لتقديره الخاص، وهو ما أطلق عليه ميلتون فريدمان اسم «أموال المروحيات».
ومن غير الواضح، رغم كل شيء، ما إذا كان أكبر اقتصاد في العالم يمكنه تولي زمام القيادة هذه المرة. وتجازف التخفيضات الضريبية التي تفرضها إدارة الرئيس ترمب بارتفاع درجات حرارة الأسواق بصورة أكبر، مما يحد من مقدرة الحكومة على الاستجابة عند انفجار الفقاعة. الأمر الذي يزيد من المخاطر عند انفجار الفقاعة، عندها سنكون مضطرين إلى الاعتماد مرة أخرى على أسعار الفائدة المنخفضة بصورة مصطنعة، مما يدخلنا إلى دائرة الازدهار والكساد مجدداً.
* خدمة «نيويورك تايمز»