مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ما في فمها سنّ

أخذ أحد المعارف يشكو لي من والده الذي أصابه (ألزهايمر) - أي الخرف - قائلاً لي بأسى ودون أية مقدمات: هل تصدق أن والدي صام صام ثم أفطر على بصلة؟!
الواقع أنني لم أفهم لغزه هذا، فقلت له: أفصح يا رعاك الله.
قال: إن والدتي بعد أن توفيت قبل ما يقارب 30 عاماً، إذا بوالدي قبل أيام يريد أن يتزوج بواحدة أخرى، فقلت لمحدثي: إيه المشكلة ما دام أن فيه الحيل ونفسه مفتوحة والشرع قد حلل له ذلك، فلماذا أنت منزعج؟!
فقال: يا ليت أنه اختار واحدة عدلة وفيها روح. المشكلة أنه مصرّ على الزواج بأرملة هي في مثل عمره، فوالدي (العود) كان يعرفها وتعاشقا وهما في سن المراهقة، غير أن أهلها أرغموها على الزواج بابن عمها، لهذا اضطر والدي للزواج بوالدتي، وقبل سنة علم والدي بوفاة زوج تلك المرأة التي أصبحت الآن أرملة، فهاجت شجونه، وأصبح (راسه ولا ألف سيف) يريد أن يتزوجها، والمشكلة لو أننا وافقناه على ذلك، فهل نحوطه وحده بالرعاية، أم نحوطها هي كذلك معه؟! لأنهم يدفعونها الآن على كرسي متحرك.
فقهقهت رغماً عن أنفي قائلاً له: إنك ووالدك ذكرتماني بالشاعر (الجزار) عندما قال مداعباً والده عندما تزوج بامرأة في مثل عمره:
تزوج الشيخ أبي شيخة
ليس لها عقل ولا ذهن
لو برزت صورتها في الدجى
ما جسرت تبصرها الجن
كأنها في فراشها رمة
وشعرها من حولها قطن
وقائل قال: ما سنّها؟
فقلت ما في فمها سنّ
وما إن سمع مني هذه الأبيات، حتى قهقه هو بدوره معي وأخذ يرفس ويرفس إلى درجة أنني خفت عليه أن (يطب ساكت) - مثلما يقول إخواننا أهل السودان.
وما دمنا في الحديث عن هذا المجال، فقد قرأت ما ذكرته إحداهن عندما قالت:
حين مرضت أمي وهي في عقدها التاسع، كنت أنا وأخواتي نتناوب على خدمتها وهي تنتقل من غيبوبة إلى أخرى على فراش المرض، وذات صباح كنت نصف نائمة بجانب سريرها حين أيقظتني قائلة: أتظنين يا حبيبتي أن الله يغفر خطايانا؟
ونزل الدمع من عيني وأنا أطمئنها بقولي: ونعم بالله، لا شك في أنه يغفر لنا خطايانا، ولكن ما الذي اقترفت يا أمي حتى تسأليني هذا السؤال؟! وأطبقت عينيها وقالت: هذا ليس من شأنك!!