محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

النقد علم وليس رأياً يُطلق

أين تكمن نقطة الفصل بين أن تكون معجباً أو عاشقاً أو مهتمـاً بالسينما، وأن تصبح ناقداً؟
يقترح السؤال أن هناك فصلاً بين الإعجاب والعشق والاهتمام، والنقد السينمائي. وهذا صحيح. لكنه صحيح أيضاً أن الإعجاب والعشق والاهتمام هو جزء من فعل النقد السينمائي. لا يمكن أن يتم من دونه.
لنأخذ، أولاً، الفاصل بين أن تكون معجباً أو عاشقاً أو مهتماً، وأن تصبح ناقداً.
المسألة هي أنك قد تعجب بالسينما فتعشقها وتهتم بها لدرجة غير عادية. وقد تبقى على هذه الحال زمناً طويلاً إلى أن يصيب اهتمامك الترهّـل فتصبح أقل اهتماماً وتبدأ بالاستناد إلى الذاكرة على طريقة «أفلام الأمس كانت أفضل…» و«سينما الزمن الجميل» (لا يوجد زمن جميل وزمن بشع أساساً)، وبذلك ينتهي هذا الاهتمام أو يتوقف عند حد لا تطوّر من بعده.
هذا طبيعي ومعظم هواة السينما، أو أي فن من الفنون، يعيشون هذا الوضع وغالباً لفترات طويلة. لكن هذا لا يؤدي بك إلى النقد. إلى تلك الحرفة الثقافية والفنية الراقية التي إذا ما واتتك تعيش فيها ولها طوال حياتك.
في البداية تسايرك الرغبة في أن تُعاين ما تراه. ففي الوقت الذي ما زلت فيه تشاهد الأفلام لكي تدرك ولكي تتعلم ولكي تمتحن حبّك، تتكوّن لديك النزعة لطرح الأسئلة التي لا يطرحها إلا واحد بين كل مائة ممن يشاهدون معك في الوقت ذاته، سواء في صالة سينما ترفض الهزيمة أو على موقع الكومبيوتر.
ومع أن الجمهور العام يطرح أسئلته حول ما رآه من باب الفضول أو عدم التصديق أو من باب الإعجاب، إلا أنك تجد نفسك، إذا ما كنت ناقداً، أو تشعر بأنك تكون ناصية النقد، أمام أسئلة مختلفة في الأساس.
إنها في معاينة كل لقطة من الفيلم وبحثه بالارتباط بين تلك اللقطة واللقطة التي بعدها. المشهد بارتباطه بما سبق ثم بين الفصل والفصل اللاحق، ووصولاً إلى وضع الفيلم بأسره من بدايته حتى نهايته.
تبدأ بالبحث ويؤرقك أنك لا تعرف الكفاية فتقرأ وتشاهد ثم تفعل ذلك كل يوم. تشاهد أفلام الأمس وتجلس أمامها كما الطفل أمام المدرس. تبدأ بالبحث أكثر وتكتشف ثم - وقد أصبح لديك زاد من العلم - تبدأ بالكتابة. ولا يرضيك ما تكتبه، فالمسألة ليست رأياً يُطلق، بل علم يُمارس.
الأمر ليس صعباً لمن يهوى العمل الذي يمارسه. أحياناً نتساءل كيف أمكن لولد في العاشرة من عمره تركيب صورة مجزأة (Puzzle) مكوّنة من 1000 قطعة. رجال ونساء أكبر منه سناً يخفقون في تركيب 10 قطع. تنظر إلى الآثار الرومانية أو الفرعونية أو الفينيقية أو سواها، تستمع إلى بيتهوفن أو باخ. تشاهد لوحات ليوناردو دا فينشي أو كلود مونيه أو بيكاسو وتتعجب.
والناس في غالبيتهم من المستقبلين لفنون الآخرين، وليسوا من صانعي الفنون. وهذا حال مهنة النقد السينمائي أو سواه. لكن لكل منهم رأيه الذي قد يلتقي أو لا يلتقي مع غالبية الآراء. هذا أيضاً طبيعي وصحي، لكن الناقد من يتجاوز الرأي إلى المعرفة، وينتقد الماثل أمامه على أساسها.