علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الشمس ومغربها

يحكي لي مُعمِّر سعودي فيقول: في بداية اكتشاف النفط قدمت من قريتي الوادعة، التي تبعد نحو مائتي كيلومتر جنوب العاصمة السعودية، بصحبة والدتي قاصداً الرياض، ولم تكن الكهرباء قد زارت قريتنا. وصلت إلى الرياض وكانت بدايات الكهرباء قد بدأت تنير شارعاً وحيداً في الرياض.
حينما أضاء المصباح الكهربائي ليلاً، أنفقت نحو ساعتين متفرجاً عليه محاولاً معرفة من أين أتى الضوء؟ وكان عمري نحوها عشر سنوات، كان الهدف من المجيء إلى الرياض مواصلة الرحلة مع والدتي لزيارة أخي في الظهران، الذي كان يعمل في شركة أرامكو، وفعلاً استأجرنا سيارة نحن وآخرون وواصلنا المسير. لم تكن الطريق معبدة بل كانت ممهدة، ومع وجود الرمال انغرست عجلات السيارة وسطها، ما اضطرنا كركاب للنزول ودفع السيارة بأيدينا، أخرجنا السيارة من الرمال وقد نال التعب منا مبلغه، وكنا قد وصلنا إلى منطقة خريص، وهناك قهوة تدعى قهوة القصيبي، وقفنا بها وطلبنا أكلاً فقدموا لنا المعكرونة، يواصل المعمر فيقول: لم أكن أعرف المعكرونة قبل هذا الوقت، أكلتها وكانت لذيذة، وبعد أن فرغ الركاب من الطعام ركبنا السيارة لنواصل المسير إلى الظهران.
مع التعب والشبع وصغر السن نمت نوماً عميقاً، ولم أفق إلا وأنا أرى ناراً هائلة أمامي، فصحت بأعلى صوتي: القيامة... القيامة... لأنني أعرف أن من علامات الساعة خروج الشمس من مغربها. والدتي وبقية الركاب هدّأوا من روعي وقالوا لي: هذا الغاز المصاحب للنفط يحترق وليست القيامة.
تداعت لي هذه القصة بعد أن أعلنت شركة سابك بالتعاون مع شركة أرامكو أنهما طوّرتَا تقنية قديمة تحوّل النفط من خام إلى مواد أولية بعد أن نجحت «سابك» في تحويل الغاز المصاحب للنفط إلى بتروكيماويات، وأخفت إحدى علامات القيامة عند معمرنا سالف الذكر.
«سابك» تمتلك مراكز أبحاث جيدة، وقد كادت ترتكب خطأً في وقت سابق حينما تراجعت الأرباح وأوقفت الصرف على مراكز الأبحاث لخفض التكاليف، ولكنها سرعان ما تداركت الموضوع وأعادت هذه المراكز إلى العمل، ونحن اليوم نرى نتائج هذه الأبحاث عبر تطوير هذه التقنية القديمة.
«سابك» قياساً بشركات البتروكيماويات في العالم تعتبر حديثة الولادة، إذ إن عمرها 40 عاماً، فيما شركات البتروكيماويات في العالم تبلغ أعمارها 140 عاماً.
إذا كان هناك من عتب على «سابك»، فإنها لم تذكر طريقة الحصول على هذه التقنية، وهل هي في معاملها أم بالتعاون مع شركات أخرى، أم أنها مشتراة من مطور فرد. من حق «سابك» أو أي شركة في العالم أن تحصل على التطوير من أي جهة، ولكن أيضاً من حقنا أن نعرف من أين حصلت عليها.
تطوير هذه التقنية القديمة وتعاون شركتي سابك وأرامكو وهما أكبر شركتي نفط وبتروكيماويات في العالم العربي، سيؤذن بفتح جديد على الصناعة، فالغاز بدأ يستخدم لقيماً للمصانع.
اليوم استخدام النفط الخام وتحويله إلى مواد أولية سيكون أفضل لمنتجي النفط من بيع النفط الخام، تطوير «سابك» لهذه التقنية سيفتح وظائف بصورة مباشرة وغير مباشرة، كما أنه سيضيف للناتج القومي، وأتوقع أن تتمدد هذه التقنية لجميع منتجي النفط الخام في عالمنا العربي عبر شرائها من شركتي سابك وأرامكو.