علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

صرخة شيرين

الفن متعة الشعوب ووعاء تاريخها وعاداتها. إلى جانب أنه حالة ترفيهية ومتعة وتذوق فإنه رافد اقتصادي إذا تم توظيفه بشكل صحيح في السياحة. المغنية شيرين عبد الوهاب انتقدت تلوث النيل في أحد حفلاتها، وتلوث النيل حقيقة ملموسة اعترف بها كبار العلماء المصريين، ونحن كعرب نرى أن النيل لنا جميعاً، ويعز علينا أن نراه متلوثاً، فمصر هي من فتحت صدرها للعرب منذ أيام تغريبة بني هلال، ومدينة بلبيس شاهد حديث على استيطان عرب الجزيرة لها، ولمن لا يعرف فإن الفنانة تحية كاريوكا رحمها الله من أب سعودي وأم مصرية.
ما لفت انتباهي هو قيام عدد من الإعلاميين المصريين بانتقاد شيرين، والمطالبة بالتحقيق معها، وفاتهم أن يتذكروا أن المطرب عبد الحليم حافظ مات بالبلهارسيا. انتقاد زملائي المصريين لشيرين لا أراه مبرراً حتى ولو كان انتقادها مبنياً على عدم توفيقها باختيار الزمان والمكان. كنت أتمنى من زملائي الإعلاميين أن يستثمروا الحدث استثماراً أكثر روعة، فيطالبوا شيرين بدخل حفلها لمصلحة حماية النيل، وأن يشارك في ذلك كل من يستطيع مادياً، وأن يقوم طلبة المدارس والجامعات بإشراف أساتذتهم بتنظيف مجرى النيل وضفافه. وأن يتنادى المثقفون بمطالبة الجهات المختصة بعدم إلقاء المخلفات الصناعية والصحية في النيل الخالد.
مصر هذا الوادي الزراعي قامت منذ الأزل على النيل، واستوعبت كل المهاجرين العرب برحابة صدر، وشرعت لهم أبوابها، فجميع العرب يحبونها، ولكني أظن أن حب أخوتي المصريين لمصر قاتل (ومن الحب ما قتل)، فالتعاطف المطلق هو نوع من الانتحار، ولكن القبول بالنقد هو باب من أبواب معالجة المشاكل والأخطار، فلو استغللنا صرخة شيرين، ووظفناها التوظيف الصحيح، لكان هذا أنفع للنيل وللمصريين.
النيل شريان اقتصادي قامت عليه مصر، فمنه يشرب المصريون، ومنه يزرعون، ومنه يقيمون صناعاتهم، وعليه قامت أكبر بحيرة صناعية خلف السد العالي. هذا الشريان الاقتصادي يجب ألا نغفل عن حمايته عبر تنقيته من التلوث، فلو تم استثمار صرخة شيرين عبر نداء بيئي يشارك فيه جميع الخضر في العالم، بالإضافة إلى الشركات العربية ورجال الأعمال العرب ومحبي مصر، لكان ذلك أفضل من شن حملة شعواء على هذه المغنية المسكينة، وكان بإمكان الفن أن يخدم في تنظيف حوض النيل عبر إقامة حفلات فنية يكون ريعها لخدمة هذا الهدف النبيل، وإقامة معارض فنية للفنانين التشكيليين والمسرحيين لإقامة عروضهم لمصلحة النيل، فإن ذلك أفضل عائداً على النيل من الدفاع عنه بعاطفة اقتربت أن تكون جاهلية.