سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الكتب العظيمة

طالبة إعلام تريد أيضاً التخصص في الترجمة بعثت بالرسالة التالية: «أعرف أن هناك توافقاً على استخدام كلمة (الكلاسيكي) دون تعريبها. ولكن أمَا من كلمة عربية واحدة تفي بالمعنى؟». ربما. لكن مصطلح «الكتب الكلاسيكية» يصبح كذلك، لأن الكلمة تشمل عناصر وشروطاً عدة.
فلنأخذ مثلاً «الحرب والسلم» لتولستوي، و«الإلياذة» لهوميروس، و«هاملت» لشكسبير: القاسم المشترك هو الخلاصات الأخلاقية. ليس هناك عمل كلاسيكي من دون نفحة سامية. القاسم الثاني هو الجماليات الفائقة؛ شعراً أم نثراً. الثالث هو غنى التعدد. هناك 500 شخص في «الحرب والسلم». والعشرات في «الإلياذة». وكذلك عند شكسبير. لكن هل بطلَ أن يكون المتنبي كلاسيكياً بسبب محدودية أشخاصه؟ ماذا نفعل بجماليته الشعرية وحِكَمه التي لا عدّ لها؟ لماذا اقتنعنا بأن عمر بن أبي ربيعة ليس كلاسيكياً؟ هل لأن الجمالية وحدها لا تكفي؟ هل لأنه خالٍ من أي رسالة في أي اتجاه؟ ولذا يكون شوقي كلاسيكياً بكل بساطة بسبب تنوع عطائه وتألقه. التألق فرض آخر، ليس كلاسيكياً من كان عادياً. كم قريناً لشوقي بين معاصريه؟ أحياناً تكون صفة أحدهم الوحيدة أنه معاصر لأمير الشعر. لأن الشعر يومها كان في عصر الإمارة.
نحن نُكرّم كتب السماح ونقتل المبشرين به، كما قال جورج شحادة، الفرنسي المصري اللبناني، الذي لم يبلغ الكلاسيكية لأنه لم يكرس كل وقته للمسرح والشعر الجميل، مفضلاً أن يعطي نصف الوقت الآخر لسباقات الخيل في باريس. ذروة الموهبة وعبث الرهان في عبقري واحد.
«جمهورية» أفلاطون، كلاسيكية حتى اليوم. «مقدمة ابن خلدون» أمّ التحف والمراجع الكلاسيكية في العالم وليس فقط عند العرب. يخرج من الكلاسيكيات على الدوام مُثلٌ وأمثال نستذكرها لكي نقوي آراءنا أو مواقفنا. كتبت مرة أن شكسبير مثل الملح والبهار عندما تضيفه إلى أي نص. والخطيب الضعيف هو الذي تصفق له الناس عندما يقتطف قولاً لسواه: حكمة أو طرفة أو قافية.
لم نجب بعد عن السؤال. ليس لديّ جواب قاطع. ولكنني أعتقد أن أقرب ترجمة شبه وافية هي «الكتب العظيمة»، إنها المفردة التي تعبر عن موهبة المؤلف بعبقريته، وجمال أسلوبه، وغنى مخيلته، ورفعة إنسانيته، وبُعد نظرته، وقدرته على وضع الأسس الإبداعية التي تحيا من بعده. «الكتب العظيمة» هي التي لا تبهت ألوانها ولا تتحجر لغتها، والتي تثير في النفوس اليوم ما أثارته قبل ألفي سنة.