محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نظرية التنفيس

روى لي أحد الزملاء حالة غريبة أحدثت كوة غائرة في سقف منزله. إذ كانوا يستخدمون نوعاً رديئاً من قدر الطهي، فلما اشتد الضغط الحراري في القدر انفجر الغطاء بقوة هائلة ليرتطم بسقف الغرفة. ولله الحمد أن أحداً لم يصب بمكروه. وهذا بالضبط ما يدفع من يغلي إبريق الشاي إلى تهوية غطائه قليلا، حينما لا يكون فيه أصلا ثقب في أعلاه، حتى لا يحدث ما جرى لصاحب «الطنجرة».
هذه الحادثة أو الحقيقة العلمية تذكرني بنظرية التنفيس، وهي أن شدة الضغط تولد الانفجار. وهي معاناة ملموسة في يومياتنا فلا المدير يريد أن يفسح المجال لسماع النقد البناء، ولا بعض الحكومات تريد أن تصغي بتجرد لمطالب شعوبها، فتكون النتيجة انفجاراً هائلاً في ردود الأفعال وأحياناً غير متوقعة.
غير أن ردود أفعال الناس تتفاوت مثل أنواع قدور الطهي، فهناك من ينفذ صبره بسرعة أكبر من غيره، وهناك من يتحلّى بصبر أيوب. وأياً كانت المدة تبقى المشكلة قائمة.
فالمدير الذي يتجاهل ضرورة الاستجابة لنظرية التنفيس، هو في الواقع يدفع العاملين معه إلى إفشاء مشاكل العمل وعيوب المسؤول إلى إدارات أخرى تترقب زلاته، فتتراكم سمعة سلبية عنه قد تنتهي بإعفائه أو عزله أو ربما نفيه في منطقة نائية، ليتنفس مرؤوسوه الصعداء مع مدير جديد يدرك خطورة تجاهل الإنصات للنقد والتعامل مع حالات الغليان.
وأخطر أنواع الغليان حينما تفور مشاعر الناس فيضطرون إلى التشهير الخارجي في هذه «المؤسسة القمعية» فينشرون غسيلها في وسائل الإعلام. وأصبح التشهير سهلاً وفي متناول كل من يتملك هاتفاً أو حساباً وهمياً في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتنطبق نظرية التنفيس على العلاقات الاجتماعية، فحينما يتجاهل الزوج مشاعر زوجته فقد تبحث عن سماعة الهاتف لتفضفض بها عن مكنوناتها، فيتسرّب ما كان يخشى تسربه. وكذلك الابنة حينما تشعر أن والديها لا يتفاهمان معاناتها ومشاعرها، فإنها قد تقع في شباك من يستغلها. والسبب أن أهلها يعاملونها كرقباء أو رجال أمن، فتضطر للهروب إلى آذان صاغية تبوح لها بمشاعرها.
من يعاند نظرية التنفيس هو في الواقع لا يدرك أنها سنة كونية لا يمكن تجاهلها. فحينما تتجاهل أو تقمع آخرين عن التعبير، فإنك تحجب نفسك عن فرصة ذهبية لمعرفة أخطائك أو أخطاء فريقك. فكم من سفينة أو طائرة هوت إلى موت سحيق، لأن قبطانها لم يحمل نداءات الآخرين التحذيرية على محمل الجد.
أما أسوأ أنواع القياديين ليس ذلك الذي يجاهر بتجاهل حاجة الناس للتنفيس، بل ذلك الذي يقول لهم قولوا ما يحلوا لكم، لكنني في نهاية المطاف سأفعل ما أريد!