ليونيد بيرشيدسكي
TT

إخفاق شبكات التواصل الاجتماعي

تكمن المشكلة الكبرى مع الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن في أنه يجري تكليفه بمهام خطيرة لها تبعات بالغة الأهمية على أرض الواقع قبل أن يتمكن من العمل بصورة مناسبة. ويبدو هذا الأمر أشبه بالسماح للسيارات ذاتية القيادة بالعمل داخل مدينة ما دون أن تحدد المسارات التي عليها التزامها.
ويعتبر منشور لاقى رواجاً واسعاً عبر موقع «ميديم»، الاثنين، نشره الفنان جيمس برايدل، أحدث الأمثلة في هذا الصدد. وقد وجه برايدل أنظاره إلى محتويات الأطفال عبر «يوتيوب». وأي شخص يملك «آيباد» يدرك جيداً نوعية الفيديوهات التي يعثر عليها الأطفال عبر «يوتيوب»، قبل أن يتمكنوا حتى من كتابة كلمة واضحة: مثل فتح علب الألعاب، وفيديوهات أغاني الروضة، وفيديوهات الكارتون الرسمية، والأخيرة المعرضة للقرصنة التي تظهر بها شخصيات شهيرة مثل «بيبا بيغ». وبطبيعة الحال، يعود الأمر إلى الآباء والأمهات، إذا ما رغبوا في أن ينغمس أطفالهم في مثل هذه المواد (من جانبنا، سحبنا جهاز «الآيباد» من ابنتنا البالغة أربع سنوات، بعدما لاحظنا كيف غرقت في محتوى مثل هذه الفيديوهات على نحو جعلها تعزف عن محاولة تعلم القراءة والكتابة، إلى جانب التوتر والغضب الذي كان ينتابها عندما يصبح «الآيباد» بعيداً عن متناولها). إلا أن المحتويات التي وقع عليها جاءت أسوأ كثيراً من أي شيء صادفته قبل اتخاذي أنا وزوجتي قرار سحب «الآيباد» من يد طفلتنا.
قابل برايدل فيديوهات مجمعة مع بعضها بعضاً على نحو رديء من مكتبة الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد، أو حتى مطروحة بناءً على قواعد خوارزمية، وحملت أسماء مثل «أغنية أصابع الأسرة» و«فيديوهات تعليم أغاني الروضة». وعادة ما يبحث أي أب أو أم عن فيديوهات تعليمية، ويترك الطفل الذي لا يمكنه حتى القراءة في مواجهة نتائج البحث عبر «يوتيوب»، التي تتضمن أحياناً فيديوهات عنيفة وغريبة وغير مناسبة، بالطبع تتضمن إعلانات - وهنا تحديداً تكمن الفكرة وراء إدارة حساب تجاري عبر «يوتيوب».
وترمي المصانع التي تنتج مثل هذه المواد إلى تجميع أكبر عدد من الفيديوهات معاً، وضمان ظهورها في أكبر عدد ممكن من عمليات البحث. وبعد ذلك، تجني عائدات الإعلانات بعد أن يشاهدها الأطفال بينما يشعر الآباء والأمهات بالسعادة لالتزام أطفالهم الهدوء.
وبطبيعة الحال، لا يرتبط الأمر فحسب بفيديوهات الأطفال، ذلك أن صناعة الأخبار الزائفة لم تكن لتوجد دون تكنولوجيا الإعلانات المبرمجة عبر «غوغل»، وميل «فيسبوك» نحو التساهل حيال الحسابات الزائفة. وبينما شكلت الأولى أساس النموذج التجاري لكل لـ«غوغل»، فإن الأخيرة ضمنت النشر. وتبعاً للبحث الذي أجراه برايدل، فإن بعض محركات البحث التي تضم عدداً من الحسابات الزائفة، متورطة في هذا الأمر. ومن جانبي، أعتقد أن هذه النتيجة صائبة تماماً، خصوصاً أن محركات البحث هذه تعتمد على بيع جماهير ضخمة إلى جهات الإعلانات، وقد جرى تصميم منصاتها لتحقيق هذا الهدف، بغض النظر عن كيفية تحقيقه. إلا أنه حتى إذا حاولنا أن نحسن الظن بتلك الشركات، فإنها تظل مدانة بالإفراط في الاعتماد على تكنولوجيا رديئة.
إن منتجي فيديوهات الأطفال الرديئة وكتاب الأخبار الزائفة يعتمدان على منصتي «فيسبوك» و«غوغل» مثلاً. كما أن أسماء الفيديوهات مصممة بهدف استغلال القواعد الخوارزمية في البحث عبر «يوتيوب»، ومن الواضح أن هذه المحاولات ناجحة نظراً لأن القنوات التي تنشر مثل هذا المحتوى في تزايد مستمر. كما أن العناوين الجذابة لا تزال تخدع القواعد الخوارزمية للرصد التي أقرها «فيسبوك»، والتي من المفترض أنها دقيقة ومعقدة.
جدير بالذكر أنه خلال جلسة استماع عقدها الكونغرس قريباً حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وجهت أسئلة لممثلي كل من «فيسبوك» و«غوغل» عن الحسابات الزائفة لديهما، ولم يستطع أي منهم طرح إجابة مقنعة حول الجهود الحالية للتخلص منها.
ومع هذا، يبقى العنصر الإيجابي أن كلتا المنصتين الإلكترونيتين بدأتا تدركان أنه كي تتجنبا التلاعب بهما بمثل هذه السهولة والتكرار اللذين نعاينهما اليوم، فإن عليهما الاعتماد على المزيد من العناصر البشرية.
ومع ذلك، فإن الضجة التي أثارتها الشركتان بتفاخرهما بالخوارزميات الذكية لديهما اكتسبت زخماً مستقلاً خاصاً بها. ولن أشعر بالدهشة إذا ما قررت شركة ما، تعكف على اختبار أدوات جديدة في هذا المجال، التعامل بجدية مع بحث نشرته في وقت قريب مجموعة من علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كارنيغي ميلون، يصفون خلاله ما أطلقوا عليه «الآلة الأخلاقية». وتدور الفكرة برمتها حول ميكنة القرارات الأخلاقية التي يقدم عليها سائق سيارة ما، حتى الأكثر صعوبة منها، مثل ما إذا كان عليه الاصطدام بجدار وقتل ركاب السيارة، وبينهم طفلة صغيرة، أو دهس رياضي برفقة كلبه يعبران الطريق.
خلال عملهم، اعتمد الباحثون على مواقع إلكترونية لطرح أسئلة على أفراد بخصوص اختياراتهم الأخلاقية. وتمثلت الخطوة التالية في تجميع البيانات، ومنح شخصية خوارزمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي إمكانية اتخاذ القرارات التي تتوافق مع نتائج إجابات المشاركين في الموقع.
ومع هذا، تشير التجربة التي نعايشها في الوقت الراهن إلى أنه حان الأوان للتراجع خطوة إلى الخلف - حتى إن كان ذلك يعني تقليص الهوامش الضخمة لأرباح شركات التكنولوجيا - والتأكيد على السيطرة البشرية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»