ريتشارد كوهين
صحفي أميركي
TT

عن تنامي العنف

يشهد الأسبوع الحالي ذكرى مرور خمسمائة عام على تحدي مارتن لوثر للكنيسة الرومانية الكاثوليكية بـ95 أطروحة فكرية. بالنظر إلى روح العصر الحالي التي تتسم بالجنون ينبغي أن أهرع إلى الشوارع، وأحتفل بهذه الذكرى بتشويه الكنائس البروتستانتية بالطلاء الأحمر الذي يعبر تقليدياً عن الاحتجاج، ففي النهاية كان لوثر أكثر من مجرد مؤسس للمذهب البروتستانتي، بل كان معادياً للسامية.
تم رمي الطلاء الأحمر مؤخراً على تمثال ثيودور روزفلت، الذي يوجد أمام المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك. تم اتهام العجوز الذي كان ضمن أول فرقة خيالة أميركية بتأييد الاستعمار، وهذا صحيح، وتبني نهج عنصري في زمنه وهذا أيضاً صحيح؛ فعلى سبيل المثال لقد كان مغرماً بقول: «أنا لا أتمادى حتى أصل إلى الاعتقاد بأن الهندي الطيب هو الهندي الميت، لكنني أعتقد أن تسعة من بين كل عشرة هنود كذلك، ولا ينبغي لي أن أحب الاقتراب كثيراً من الاعتقاد بأن العشرة كذلك».
تعرض تمثال آخر في قلب المدينة لهجوم مماثل، وهو تمثال كريستوفر كولومبوس، وذلك بسبب معاملته القاسية للهنود الأراواك، وإبادته لهم، حيث لم يتبق سوى عدد قليل منهم. أصبح لكولومبوس منذ فترة طويلة يوم عطلة للاحتفال بذكراه، لكنه حصل على نصيبه من الهجوم مؤخراً. وينطبق هذا أيضاً على كثير من تماثيل لشخصيات عاشت إبّان الحرب الأهلية الأميركية، التي تمت إقامتها من البرونز، أو غيره من المعادن، عرفاناً بدفاعهم بشجاعة عن العبودية والعنصرية. وحظيت بعض تلك التماثيل بنصيبها من الطلاء الأحمر هي الأخرى. الأمر يتعلق بالزمن، فالخيانة أحياناً تكون نبلاً، لكن لا يمكن للعنصرية أن تكون كذلك في أي وقت من الأوقات.
مع ذلك هل يستحق مارتن لوثر حقاً بقع الطلاء الأحمر؟ الدليل صادم ناهيك بكونه حاسماً. لقد نشر في عام 1543 كتاباً بعنوان «عن اليهود وأكاذيبهم»، الذي وصف فيه أجدادي بأنهم «حقراء وزناة»، وأنهم «يتمرغون في التراب». لقد كان لديه كل الأفكار الخاصة بطريقة التعامل مع اليهود، بما فيها بيع معابدهم، بل ومنازلهم، بالجملة، وحظر تعاليم أحبارهم على «فقدان الحياة والأطراف».
الأكيد أن كراهية مارتن لوثر لليهود كانت هي نمط التفكير السائد، لكن لوثر نفسه لم يكن شخصاً نمطياً عادياً، بل كان كاتب عامية قوياً، وكان لكلماته تأثير. لقد كان مؤسس كنيسة وحركة يصل عدد أعضائها الآن إلى نحو مليار. مع ذلك قدم تشريعاً دينياً لمعاداة السامية الألمانية، التي تصاعدت وتجلّت في المحرقة. كثيراً ما كان النازيون يقتبسون أقوال لوثر، لكن من الخطأ تحميله وحده مسؤولية مقتل 6 ملايين إنسان.
من جانبي، أرى أن لوثر شخص به عيوب، ورغم تقديري لما قام به من إصلاحات، بل وثنائي عليها، لا تعنيني كثيراً. مع ذلك أرى أنه لا يستحق الطلاء الأحمر، لأنني أعلم أن كراهيته لليهود لا تقارن بما قام به من إصلاح، والدور الذي اضطلع به في تشجيع محو الأمية. لقد كتب بالألمانية لا اللاتينية، ومثل اليهود العبرانيين الذين كان يحتقرهم، لم يسمح بوجود وسيط بين الإنسان وربه.
أطبق القاعدة نفسها على ثيودور روزفلت، وكولومبوس، وكذلك على وودرو ويلسون، الذي كان عنصرياً بلا شك، وعدد لا يحصى من الأشخاص الآخرين الذين أهدوا أسماءهم إلى العديد من المؤسسات مثلما أهدوها مكانتهم التي حصلوا عليها. لقد كان روزفلت رجل عصره، لكنه أيضاً كان أول رئيس يستقبل ضيفاً من أصل أفريقي في البيت الأبيض. في عام 1901، تناول بوكر واشنطن العشاء في البيت الأبيض. وكما أوضح إدموند موريس، كاتب سيرة روزفلت، لقد كان هذا فعلاً مذهلاً ينمّ عن التسامح العنصري في ذلك العصر.
لذا أستمع إلى يوهان سباستيان باخ رغم أن بعض أعماله تصل إلى مستوى الكلمات القاسية المعادية للسامية، من الجيد أنني لا أجيد الألمانية، وأقرأ لهمينغواي رغم أن تصويره لروبرت كوهين في رواية «الشمس تشرق أيضاً»، بصفته شخصاً «يهودياً» قبيح قبحاً صريحاً. لا يمكنني التسامح مع تشارلز ليندبيرغ، لأن معاداته للسامية عرضت أرواح الكثيرين إلى الخطر، ولأن الطيران وحيداً أعلى المحيط كان عملاً بهلوانياً. وكانت رحلة كولومبوس بوجه من الأوجه شبيهة بذلك، فكان على أحد ما القيام بالأمر.
أختار وأنتقي، وفي يدي علبة الطلاء الأحمر التي تمثل رمزاً، لكن عندما يتعلق الأمر بأولئك الجنرالات المتحالفين، فهم يمثلون بكل صراحة ووضوح العبودية، والعنصرية، والحنين القبيح لما يطلق عليه القضية الخاسرة التي شجعت على تشييد الكثير من النصب التذكارية. أنا أقدر باخ، وأشعر بالتنمر تجاه روزفلت، وأعترف بأهمية مارتن لوثر، فقد كانت أفعاله الصالحة أفضل من الطالحة.
ذكرى سعيدة يا مارتن.
* خدمة «واشنطن بوست»