محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

النجاح الصحيح سببه الفشل!

تعرفت، لفترة وجيزة، على صحافي معروف كان يكتب يومها في عدة صحف ومجلات، اعتبر نفسه أنه إنسان ناجح في كل ما أقدم عليه. ومن دون أن أفصح عن مسببات هذا الاعتقاد، فإن البراهين التي ساقها للتأكيد على نجاحه كانت من نوع أنه أنجب ولدين ذكرين ولديه سيارة يغيرها كل سنة بواحدة أحدث، ويكتب في مجلات وصحف مختلفة في مواضيع كثيرة ويناديه أهل منطقته الشعبية بـ«الأستاذ».
وقبل أيام قرأت في موقع يتداول علوم النفس الحديثة عن كيف أن من يعتقد أنه ناجح في كل شيء، إنما يناقض الواقع، فليس هناك من نجاح كامل في الحياة مطلقاً. نعم لدى الكثيرين منا أسرة يحبها وتحبه، لكن هذا لا يعني أنه لا مكان للمشاكل المادية أو التربوية أو العاطفية. وهناك وظائف مرموقة يحتلها عدد لا حصر له من النساء والرجال، لكن هذا النجاح لا يعني أنه كان بلا ثمن (عائلي، صحي الخ....) أو أنه يخلو من وجع الرأس والطموحات غير المحققة. وتستطيع أن تغير سيارتك كل سنة وهاتفك كل ستة أشهر إذا أردت، لكن هذا لا علاقة له بالنجاح، بل هو بالتأكيد فشل في فهم ما هو مهم في الحياة.
قبل كل ذلك قرأت في كتاب «Your Erroneous Zones» قبل سنوات عديدة أن النجاح أمر نسبي تماماً. والأهم هو أن صفة «الناجح» هي وصف اجتماعي نفضله على سواه لأننا مبهورون بأنفسنا، أو لأننا نحتاج لمن يطلق الصفات الحسنة علينا.
استخلصت من كتاب آخر عنوانه: Adapt: Why Success Always Starts With Failure وضعه الصحافي تيم هارفورد الذي له عمود أسبوعي في صحيفة «فاينانشال تايمز» أننا نواري الفشل بأي طريقة تخطر لنا على بال خشية أن نوصف أو نعرف به.
الحقيقة أن كل خطوة في الحياة في أي اتجاه تبدأ بالفشل. حتى الطفل عندما يحاول أن يمشي على قدميه لأول مرة، ولمرات عديدة بعد المرة الأولى، يقع. هذا طبيعي جداً. لو أراد لنا الله أن نولد ونمشي سريعاً وننشأ بلا أخطاء لفعل. الخطأ هو المرشد لتعلم عدم الخطأ... ولو أن الكثيرين منا لا يتعلمون وذلك لأسباب ذاتية.
مثلاً، هناك من لا يتعلم لأنه يعتقد أن أسوأ ما قد يحدث له هو أن يواجه الخطأ مواجهة مباشرة، لأن ذلك يعني أنه لم يكن جديراً بالنجاح. وهذا خطأ شنيع. هناك من يخاف الحقيقة ببساطة. يلويها وإن لم يستطع تجاهلها، وإن لم يستطع فسرها على غير ما هي عليه. وكم من مرّة شهدنا وقائع ينفي الواحد الخطأ عن نفسه، ويرميه على شخص آخر أو على الظروف أو على أي تبرير آخر يجده.
الواقع أن الكثيرين جداً من الناس لديهم حساسية ذاتية مفرطة (Ego) تمنعها من الاعتراف بخطئها. بذلك نحن أكثر اهتماماً بكيف نردأ عنا اللوم والنقد، وبكيف نبدو كما لو أننا لا نخطئ، وإذا ما أخطأنا فإن المسؤولية تقع على الآخرين.
إذا كان هذا النكران ينفع فعلاً لكان المخطئ تجنب الوقوع في الخطأ مرّة أخرى، لكن برفع الحساسية الذاتية لمستوى أعلى من أهمية النجاح ذاته، فإنه لن يكف عن الوقوع في الخطأ، ولن يتعلم كيف يستفيد منه ويحوله إلى أهم وأبسط عناصر النجاح.