فوزية سلامة
TT

أجمل هدية

رسالة إلكترونية تلقيتها وأنا في رحلة عمل. كان عنوان القصة: «طويلة العمر»، تصور الملكة إليزابيث، ملكة بريطانيا، في مراحل عمرية عديدة كلها متعلقة برؤساء الولايات المتحدة الأميركية. تبدأ الصور بالملكة إليزابيث وهي شابة مع الرئيس الأميركي هاري ترومان، ثم تظهر في صورة أخرى وهي شابة جذابة مع الرئيس أيزنهاور، وبعد تلك الصورة تظهر مع جون كيندي، ومن جون كيندي إلى نيكسون، ومنه إلى جيرالد فورد. ولم يغب جيمي كارتر عن هذا العرض المصور في صحبة ملكة بريطانيا، ثم رونالد ريغان، وبوش الأب، وبيل كلينتون، ثم جورج بوش، وصولا إلى أوباما، الرئيس الحالي. ويختم العرض بتعليق هو: الاستمرار دليل أصالة.
أحصيت عدد هؤلاء فوجدت أنهم أحد عشر رئيسا، منهم من رحل عن العالم، ومنهم من عاش ولا يزل يعمل مثل جيمي كارتر وكلينتون، ومنهم من يكتفي بصيد الأسماك مثل بوش الأب. والملكة ما زالت على العرش تمارس العمل المنوط بها وتكبر في العمر ويكبر معها تقدير الشعب الذي احتفل هذا العام بتوليها العرش قبل 65 عاما.
حملت إليَّ الرسالة معنى كبيرا؛ فالإنسان الذي يمارس عملا يتقنه هو إنسان يعترف بقيمة الحياة وبالنعمة التي منحت له. ومن غرائب الأمور أن بعض الناس يشعرهم استمرار المرأة في أداء دور في الحياة العامة بعدم ارتياح ينساب بلا وعي ولا تفكير من أفواه لا تستحق نعمة العقل التي كرم الله بها الإنسان.
وسوف أذكر مثالين على سبيل المثال لا الحصر من عالم الرجال مثل الرئيس التونسي بورقيبة الذي عاش طويلا وهو يمارس عملا تأثرت به جموع الشعب التونسي. وكان الأستاذ نجيب محفوظ في مرحلة متقدمة من العمر حين حصل على جائزة نوبل للآداب. ولم يرتفع صوت واحد ليقول لأحدهما عد إلى بيتك والتزم الصمت والركود. والطريف أن عالم المرأة يزخر بالأسماء التي تحرك العالم يمينا ويسارا، وكل صاحبات تلك الأسماء تجاوزن الشباب بمراحل، ومنهن أنجيلا ميركل. وفي مصر تمتعت الدكتورة سهير القلماوي والأستاذة مفيدة عبد الرحمن وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، وغيرهن كثيرات، باحترام المجتمع وولائه.
قبل فترة كلفت باستضافة رجل يناهز الـ97 عاما كنموذج للمثابرة والعزم والتمسك بالحياة. هذا الرجل حصل على درجة الدكتوراه وهو في الـ94 ونشر بحث الدكتوراه في كتاب عالي القيمة العلمية والفقهية. ولن أنكر أنني ترددت في قبول التكليف بسبب تقدم الضيف في العمر، ولكنني في النهاية قبلت، وفاجأني الضيف بصفاء الذهن والحجة إلى درجة ضاعفت تواضعي. فمن المعروف عني في العمل أنني أحاصر الضيف بالأسئلة بحيث أستخلص منه ما أهدف إلى استخلاصه، غير أن ضيفي غلبني بالحجة وراوغني بحيث لم أحصل منه إلا ما شاء هو أن يفصح عنه. وأكثر ما احترمت مما جاء على لسانه حين سألته لماذا أصر على استكمال الدكتوراه وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر؟ فقال: إكراما لزوجتي التي توفاها الله قبل سنوات، والتي أتمنى من الله أن يجمعني بها في العالم الآخر، فقد شجعتني وأعانتني وآمنت بقدرتي على المثابرة، فلم يسعني إلا أن أستمر إكراما لها.
تحياتي لكل من يتقن عملا، ولكل من تحركه إرادة الحياة لخدمة الآخرين، ولكل امرأة تحدد لنفسها ما تريد أن تخدم به أسرتها وأقاربها ومجتمعها، ودعائي لضعاف العقول والنفوس الذين يحركهم الغباء والاستعلاء على النساء بالتوبة والهداية.