سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

كتاب مفتوح من فارس الطواحين

من دون كيشوت، لا منشأ، إلى ميغيل دو سرفانتس، مجهول محل الإقامة.
ميغيل، دعنا من الرسميات؛ أنا لم أعد أطيق هذه الحال التي رميتني فيها منذ 1616، كنتُ فارساً فحولتني إلى خيال صعلوك. وكنتُ رجلاً مثالياً فجعلتني حالماً بلا منطق. جعلت منك يا ميغيل صاحب أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ، 500 مليون نسخة حتى الآن، فماذا جعلت مني أنت؟ عقلاً مضحكاً، وسيفاً خشبياً يجول البلاد لمنازلة الطواحين. وزعتني على حكايات الفشل والكسل وأحلام اليقظة.
أنا لا أتهمك بالكذب. لكنك تنفخ في الحقائق مثل طفلين يتنافسان في رواية قصة واحدة. وحكاياتك عني لا تنتهي، مرة كأنني «كليلة ودمنة»، ومرة كأنني «هاري بوتر». وكنت قد حذرتك منذ اللحظة الأولى: إذا أردت الاستعانة بي فلا تحملني مسؤولية عِقَدك كلها. لكن ها أنت تحملني عقد العالم كله، كأنه ليس في الدنيا سوى دون كيشوت. أنت لا تحترم كلمتك يا دون ميغيل. فعندما فاتحتني في الأمر، ماذا قلت لي؟ تذكر جيداً، لقد قلت لي: يا عزيزي الفارس النبيل، أنا في حالة بائسة. جميع الكتب التي أصدرتها منذ خروجي من السجن في الجزائر وعودتي إلى هنا لم تدر عليّ مالاً. وأنا أفكر في شيء يسلّي البشر. وأنت يا صديقي نموذج مسلٍ ومضحك، وسوف تروق أخبار مغامراتك للناس.
بماذا أجبتك؟ قلت لك على رسلك يا دون ميغيل. ولكن لا تبالغ مثل سائر الشعراء. ليس من أجلي، ولكن من أجل بلدتنا، فأهلها طيبون، وبينهم أقرباء وأصدقاء لك، فماذا كانت النتيجة؟ لقد طفت بي على جميع أنحاء إسبانيا، مثل هائم ساذج لا يعي شيئاً. وماذا فعلتَ بصديقي العزيز سانشو بانثا؟ لقد ولد عزيزي سانشو على ظهر فرس، وصوَّرته أنت مالكاً حماراً هرماً يتعثر بقوائمه وهو يحاول اللحاق بي.
وأنا، رفيق الصبا، ماذا فعلت بي؟ جعلتني أضحوكة البشرية من أجل أن تجعل نفسك أديب اللغة الإسبانية. بهار وملح وتوابل ولا حقيقة واحدة. لقد أحضرت فنون التوابل من العرب. يا ليتني يا دون ميغيل وقعت في يد فيكتور هيغو لكنت اليوم نبيل البؤساء. أو في يد إسكندر دوماس، لكنت الكونت دو مونتي كريستو. لكن ماذا تفعل بسوء الحظ؟ يا لها من وقعة.