ديفيد بروكس
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

فن التفكير الجيد

حاز البروفسور ريتشارد ثالر جائزة نوبل في الاقتصاد التي يستحقها بكل جدارة. وأعرب البروفسور ثالر عن نقطة مهمة، وهي أن الناس لا يتصرفون دائماً بطريقة عقلانية، وأظهر الطرق التي نكون فيها غير عقلانيين بصورة ممنهجة.
وبفضل أعماله وأعمال علماء آخرين، أصبحنا الآن نعلم كثيرا عن التحيزات التي تشوه تصوراتنا وتفكيرنا.
وقبل البروفسور ثالر، اعتقد علماء الاقتصاد أنه كان جيداً بدرجة كافية المضي قدماً في اعتبار أن الناس من المخلوقات العقلانية التي تحسن الاستفادة من المنتجات. والآن، وبفضل ثورة الاقتصاد السلوكي التي أعلنها البروفسور ثالر، يفهم أغلبنا الآن أن هذا الطرح غير جيد بما فيه الكفاية.
بل إن الأمور تتزايد تعقيداً عند خروجها إلى العالم الاجتماعي. ويدور كثير من تفكيرنا حول الترابط، وليس حول البحث عن الحقيقة، ولذلك فإن أغلب الناس على استعداد حقيقي للتفكير أو قول أي شيء يساعدنا في أن نكون محبوبين أو مفضلين ضمن جماعتنا البشرية.
إن كانت أعمال البروفسور ثالر ضرورية من حيث فهم كيف يمكن للسوق أن تضل سبيلها، فإن آلان جاكوبس مؤلف كتاب «كيف تفكر»، يركز على الطبيعة العلائقية (الترابطية) للتفكير، التي هي ضرورية في فهم سبب وجود كثير من التفكير السيئ في الحياة السياسية لعالمنا المعاصر.
يحسن جاكوبس من استخدام مفهوم الروائي البريطاني كلايف ستيبلز للدائرة الداخلية. وفي كل بيئة من البيئات - سواء المدرسة، أو الشركة، أو المجتمع - فهناك التسلسل الهرمي الرسمي. ولكن هناك أيضاً التسلسل الهرمي الخاص والمنفصل، حيث يوجد أصحاب الحظوة والمكانة، وهم من يعرفون بالدائرة الداخلية.
لطالما سيكون هناك أناس يرغبون بشدة في الوصول إلى الدوائر الداخلية، وسوف يحاولون تجربة كل أشكال الزوايا الفكرية كي يتم قبولهم فيها.
والناس، على سبيل المثال، يحددون ويهاجمون ما يصفه جاكوبس بقوله «الآخر الثقافي البغيض»، وهي الجماعة المناوئة للدائرة الداخلية، التي يتعين الهجوم عليها بغية نيل العضوية داخل الدائرة الداخلية.
وبعض الناس سوف يزدرون الدائرة الداخلية. ويسارع هؤلاء الناس في استخدام المجازات العدائية عند الحديث عن التفكير (مثالاً، مزاعمك لا يمكن الدفاع عنها).
ويلاحظ جاكوبس أنه عندما يستخدم شخص ما جملة «بعبارة أخرى» لتلخيص حجة أخرى، فإن ما يعقب هذه الجملة هو، وعلى نحو ثابت، تصوير كاريكاتيري سخيف للحجة الأصلية المطروحة، وذلك بغية اكتساب التفضيل من جانب فريق القراء. ولقد وصف الكاتب الأميركي ديفيد فوستر والاس مثل هؤلاء الناس بأنهم «المتغطرسون»، ويرفعون شعاراً مفاده «نحن القلة، الفخورة، التي يجزع منها الجميع وباستمرار».
ويظهر جاكوبس وبطريقة لطيفة كيفية نشوء عمليات التفكير لدينا من الحياة العاطفية والسمة الأخلاقية. فإن كان قلب المرء ملتوياً، فإن ردود فعله تجاه العالم لا بدّ أن تكون ملتوية هي الأخرى.
ولكنني أقول إنه إذا ما دفعتنا الحياة الاجتماعية نحو المشكلات، فالحياة الاجتماعية ذاتها يمكنها أن تخرجنا منها سواء بسواء. وبعد كل شيء، فكر في كيفية إقناع الناس فعلياً. فهل تفعل ذلك عن طريق تأليف المقالات المدروسة بحرص التي تطرح الحقائق بكل عناية؟ إن هذا الأسلوب ينجح في بعض الوقت. ولكن السبيل الحقيقي لإقناع الناس هو عن طريق إيجاد المجتمع الجذاب الذي يرغب الناس في الانضمام إليه.
قيل في الماضي عندما تم تأليف كتاب عن الأمثال: «الحث الطويل يقنع المسؤول، واللسان الناعم يحطم العظام». وفي هذه الأيام، فإن حلو الكلام لا يوصلك إلى مبتغاك، ولكنه قد يفعل في يوم من الأيام.

* خدمة «نيويورك تايمز»