خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

على مر الأيام

هذا ليس مجرد عنوان لهذه المقالة. لقد سرقته من عنوان كتاب جورج كليمنصو، رئيس الحكومة الفرنسية خلال الحرب العظمى، ألا وهو «على مر الأيام»، الذي ضمنه الكثير من آرائه. وكان الكثير في غاية الطرافة كالتالي:
«إن أجمل لحظات الحب هي صعود السلم»!
«نحن لا ندفع غالباً ثمن السعادة، حتى عندما ندفع ثمنها بفقدانها».
لم يكن كليمنصو مجرد رئيس حكومة وسياسي بارع وثعلب ماكر. كان أيضاً كما رأينا أديباً وصحافياً بارعاً. تولى إدارة صحيفة «الفجر». وعلق أثناء ذلك في قاعة التحرير إعلاناً كبيراً يقول: «يرجى من السادة المحررين ألا يغادروا أماكنهم قبل وصولهم». كم فكرت بتعليق هذا العنوان وراء مكتبي، ولكن لم يعد لي مكتب ولا أجد الوقت لذلك.
بحكم كونه رجلاً ليبرالياً، لم يجد أي غضاضة في استخدام محررين يخالفونه في الرأي. وكان منهم المسيو بينيديتي. وهذا اسم يوحي بأنه كان فوضوياً. هذا ما كان فعلاً. دخل في أحد الأيام في مشادة مع كليمونصو وسحب مسدسه وأطلقه على رئيس التحرير، ولكنه أخطأه وأصاب بدلاً من ذلك اللوح الزجاجي وراءه وحطمه.
نادى كليمنصو على المحاسب وطلب منه تغريم بينيديتي ثمن الزجاج وحسم ذلك من راتبه. استغرب الآخرون من ذلك وسألوه: لماذا لا تنادي على الشرطة لتعتقله؟ أجابهم قائلا: «المجانين لا يزجون في السجون».
وعندما مسكوا بالمحرر الفوضوي واقتادوه خارج المكتب وهو يصيح «تحيا العدالة!» التفت كليمنصو إلى بقية المحررين وقال: «ألم أقل لكم إنه مجنون»؟
رغم كل ما كتبه وفعله فإنه لم يعمد إلى تدوين مذكراته. سألوه عن ذلك فقال: «إذا كان الناس سيتذكرون ما قمت به، فلا داعي لكتابة ذلك في مذكرات. وإذا كانوا لم يتذكروه فمعنى ذلك أن ما قمت به لا يستحق الكتابة عنه».
لكليمنصو حكميات بليغة وكثيرة كأديب ومفكر بارع؛ منها قوله عندما كان مديراً لجريدة «الإنسان المقيد». كتب قائلاً: «ينبغي ألا تقام تماثيل إلا للأنذال، فالشرفاء يحترزون منها».
دأب أيضاً على التهكم من رجال السياسة فقال: «تبدو السياسة في نظري آلة لرفع الأثقال مشدوداً عليها عدد من الرجال لرفع ذبابة. وقد لامه في يوم من الأيام أحد معاونيه لأنه عين في منصب سياسي مهم رجلاً غير أهل للمنصب فأجابه قائلاً: «وهل عندك أحد أبله منه أو أشد غباوة؟ ومن أقواله في الحكم: «أن تحكم يعني أن تشد كل أعنة الحكم حتى تتحطم. وأن تكون محكوماً فيعني أن ترضى بكل شيء حتى يوم العصيان الدرامائي الكبير».