مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عندما أخذت ألطم وألطم

في سنة من السنوات ذهبت إلى القاهرة في رحلة ترفيهية مع صديق مغرم بتدبير (المقالب) إلى درجة الجنون، وكنت دائماً أخشاه ولا أصدقه، وللأسف أنه توفي فجأة وهو لا يزال في عز شبابه، وعندما أخبروني لم أصدقهم، معتقداً أن موته مجرد مقلب من مقالبه، وعندما ذهبت إلى منزله تأكدت من الخبر اليقين، وبكيت عليه، رحمه الله، كما لم أبكِ في حياتي، وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي تمنيت فيها أن يكون الخبر مقلباً.
أعود إلى رحلتنا العتيدة، حيث طلب مني هو في أحد الصباحات أن أرافقه إلى أحد البنوك ليصرف شيكاً نقدياً لديه، فامتثلت لطلبه ومشيت معه مثل (الأطرش بالزفة).
وكان يحمل معه شنطة (سمسونايت)، وعندما دخلنا البنك وجدناه مزدحماً، فوضع شنطته بجانب أحد الأعمدة، وذهب إلى أحد الشبابيك يستعلم من الموظف المسؤول.
ويبدو أن أحد الحاضرين من النشالين قد أغراه منظر الحقيبة المركونة، وشاهد صاحبها مولياً ظهره وهو يتحدث مع الموظف، فما كان منه إلاّ أن توجه لها سريعاً، وما إن خطفها حتى صاحت الحقيبة مُوَلوِلةً بصوت يصمّخ الآذان، فأسقط في يد النشال، خصوصاً أن الأنظار كلها اتجهت نحوه، ومن شدّة خوفه ألقى بها وانطلق هارباً، ومن سوء حظه وارتباكه أنه اصطدم بالباب الدوار وسقط على رأسه مغمياً عليه، وتفاجأت بصديقي يجذبني من يدي ويخرج بي وهو غارق بالضحك، وبينما كنا مهرولين على الرصيف وأنا أقول له: الشنطة، الشنطة، عرفت منه أنها صناعة صينية بها (زر) خفي، ولو أمسك بها غير صاحبها تصدر ذلك الصوت، وقال لي: إنها رخيصة الثمن، ولو عرفوا أنني صاحبها فلا شك أنهم سوف يضربونني إن لم يقطّعوني، وأردف قائلاً لي: المهم أنني ضحكت على هذا المقلب وشرحت صدري.
تذكرت ذلك الصديق عندما قرأت عن اختراع حقيبة أطلق عليها اسم (هوب)، وهي تتضمن ثلاثة أجهزة استشعار تتصل مباشرة بالأقمار الصناعية، وتتوفر بأحجام مختلفة قادرة على حمل أوزان تصل إلى (100 كيلوغرام).
ويمكن برمجة الحقيبة مع كافة الأجهزة المحمولة المزودة بتقنية «بلوتوث»، مثل «آيفون» و«آيباد»، والتي تصبح بمثابة أجهزة تحكم عن بعد بالحقيبة تبقيها دائماً على مقربة من صاحبها كيفما تحرك - انتهى.
ودلالة على (سبهللتي) - أي غفلتي -، أنني عندما كنت يوماً أدفع عربتي التي عليها حقائبي انتظاراً للقطار الذي سوف ينقلني من لندن إلى غلاسكو في اسكتلندا، تركت العربة لعدة دقائق لكي أشتري (سندويتش)، وإذا بنشال محترف يخطف أصغر حقائبي - و(هذاك وجه الضيف) - وكان فيها جواز سفري ونقودي، وأخذت ألطم وألطم، ويبدو ساعتها أن منظري كان (هزؤاً)، لأن كل من مرّ بي يمر وهو يضحك.