حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أكثر من كرة قدم!

يشهد العالم العربي موجة تفاعل تتفاوت بين مشاعر الفرح العارم والحزن الجارف، وتتعلق بنتائج منتخبات كرة القدم المشاركة في تصفيات كأس العالم التي ستقام عام 2018 في روسيا. كل أربع سنوات تمر الجماهير العربية بنفس الدراما «الآنية» من أجل الفوز «بشرف» المشاركة و«فرصة» الوصول للمناسبة نفسها. ومن الواضح أن المشكلة الرئيسية والكبرى تكمن في «مستوى» الطموح وحدود آفاقه؛ فما دام مستوى الطموحات هو «المشاركة» و«الحضور» مع الكبار، فسيبقى الأداء متواضعاً.
كرة القدم صناعة متكاملة ووسيلة ترويج وتسويق للشعوب والأمم بامتياز. أوروبا «استغلت» هذا الأمر ووظفته بطريقة علمية وعملية جداً، انعكست في أهم البلاد على شكل تدفقات استثمارية، وتطور في عوائد السياحة، وزيادة «الاعتمادية» لسمعة منتجاتها وخدماتها، مما كرّس وأوجد صورة ذهنية إيجابية جداً في العالم. ولعل أبرز المستفيدين من ذلك الأمر ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإنجلترا، ولوحظ هبوط شديد في فعالية الفرق القادمة من أميركا الجنوبية، فلم يبقَ من المؤثرين سوى البرازيل والأرجنتين مع «غياب» للأوروغواي والباراغوى وكولومبيا وفنزويلا والبيرو والمكسيك، بوصفها عناصر مؤثرة.
ولكن شيئاً ما يتكوّن في مناطق أخرى من العالم؛ إذ يبدو هناك «تخطيط» طويل الأجل، وحضور مؤثر منشود، وبطولة كأس العالم مستهدفة... هذه هي أهم بنود خريطة الطريق لكرة القدم الدولية في كل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والصين. هذه الدول وضعت خططاً طويلة الأجل بهدف الحصول على بطولة كأس العالم نفسها، وتضمنت هذه الخطة تطوير المسابقات المحلية، وشراء المواهب الدولية، وجلب الخبرات العالمية للإشراف على الإدارة والتدريب، وخوض منافسات قوية، والاستثمار في أندية عالمية لضمان الفرص التنافسية وتوطين المواهب فيها. والمتابع الدقيق والموضوعي لمسيرة هذه المنتخبات الأربعة، لا بد له من أن يلاحظ تطوراً هائلاً في مستويات هذه الفرق من الناحية الفنية والنتائج الإيجابية اللافتة والمهمة.
هناك طموحات أخرى من بعض الدول، مثل روسيا وأوكرانيا وصربيا وكرواتيا، وهم جميعاً من المعسكر الشرقي الأوروبي، ويسعون لنهضة بلادهم، ويسعون لعمل ذلك عن طريق الإبداع والتألق في كرة القدم، ولكن طريقهم مختلف؛ حيث سيعتمد في المقام الأول على «تصدير» المواهب والكفاءات من لاعبيها المميزين للعب في أهم الأندية والبطولات الأوروبية والأميركية والآسيوية بشكل عام.
عشوائية وعاطفية التعاطي مع كرة القدم (مقارنة بدول أكثر جدية) تؤكد لنا أن العالم العربي سيتعايش طويلاً مع عبارة «الأداء والتمثيل المشرف» و«شرف المشاركة»، وهي عبارات شديدة الانعزالية والسلبية وتحدّ من الطموح والأمل، لأن الإنسان ينجح بقدر حدود طموحاته وآفاقها. هناك فارق كبير بين أن تكون كرة القدم أداة تسلية ولهو أو كما سماها أحد الزعماء العرب ذات يوم: «خليهم ينشغلوا عنا بالكرة»، والتعامل معها بصفتها إحدى أهم أدوات التسويق والترويج والانتشار للبلد نفسه. شتان الفارق بينهما، ويبقى الرابح من يدرك الفارق.