مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ركعتان ودمعتان

الذي أرهقني في حياتي هو بحثي ومطاردتي للسعادة أينما وجدت، وكانت شراهتي أو شراستي للظفر بها لا تستثني أي وسيلة، إلى درجة أنني في مرحلة من المراحل أصبحت تلميذاً نجيباً (لميكيافيلي).
وأعترف أنها كانت مرحلة ظالمة ومفترية حتى على نفسي بالدرجة الأولى، وبعد أن ازدادت تعاستي ولم تنقص، تركتها وخضت تجربة (الهيبيّة)، ولكن أيضاً دون فائدة، وأخذت أعلل نفسي وأخدعها دائماً بقول الشاعر: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله/ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
فخطر على بالي أن أشكو حالتي المزرية هذه لطبيب نفسي، فرمقني بنظرة غير ودية وسألني: متى آخر مرة بكيت فيها؟!، فقلت له: لا أذكر ولكنني أعتقد أنها كانت في مرحلة الطفولة، فقال لي: ومع ذلك لا بد أن تبكي الآن إذا أردت أن تخرج من حالتك هذه، فقلت له: إنني لا أستطيع، فقال: إذن (تباكى) يا أخي حتى ولو بالكذب والتمثيل.
فقلت بيني وبين نفسي: والله هذه هي (البلشة)، ولكن يا ولد عليك أن تجرب (واللّي عقد روس الحبال يحلها)، لهذا كثيراً ما كنت أخرج من أي مجلس وأهرول للحمام وأغلق الباب مسترجعاً كل مآسي العالم وأبدأ (بالعياط)، غير أن المشكلة أن عيني لا تنزل منها ولا دمعة واحدة وكأنني فعلاً رعد دون أمطار، فأعود مكسور الخاطر مثلما بدأت.
وتعجبت كثيراً من ذلك الاستطلاع الدولي الذي يؤكد أن أسعد (خلق الله) هم من سكان الدول الفقيرة، من بين 151 دولة.
وعرفت كذلك أن دراسة بريطانية حديثة كشفت أن (الاكتئاب) أصبح المرض الأكثر شيوعاً في البلاد، وأن هناك أكثر من 5 ملايين حالة تأكدت إصابتهم بالمرض.
وفجعت أكثر عندما قرأت تقريراً لمنظمة الصحة العالمية يؤكد أن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً على مستوى العالم، أي بمعدل شخص واحد كل أربعين ثانية، ويلجأ كثير منهم لاستخدام السم أو الشنق أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم، وقد حصل هذا لوزير الخزانة الأميركي روبرت ديور في عهد الرئيس كارتر، عندما وضع فوهة مسدسه في فمه وأطلق رصاصة الرحمة أمام كل وسائل الإعلام، وخر صريعاً حتى دون أن يرفس. وترحمت على انتحار خالدة الذكر مارلين مونرو التي كان انتحارها أكثر شياكة، حيث لبست أروع قميص نوم وتعطرت بعطر (شانيل)، ثم تناولت علبة كاملة من حبوب النوم، وراحت في سبات عميق لم تفِق منه حتى هذه اللحظة.
والآن، الآن فقط بدأت أصحو على حالي، وذهبت مسرعاً وتوضأت وفرشت سجادتي وصليت ركعتين، وسعدت جداً عندما سقطت من عيني دمعتان، لأول مرة منذ عدة عقود.