د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

نزوح «داعش» إلى الصحراء الليبية

نزوح «داعش» إلى الصحراء الليبية هي ظاهرة متوقعة في ظل خسائر التنظيم المتتالية في العراق وسوريا، وفي ظل استمرار حالة الانقسام الليبية؛ مما دفع دولاً يهمها استمرار الفوضى واستعمال «داعش» في ليبيا واستنباتها لإعادة تدويرها مرة أخرى، بتمويل نقل عناصر «داعش» إلى ليبيا عبر عملاء ليبيين من تنظيم القاعدة الفرع الليبي، ومساعدة من تنظيم إخوان البنا وقطب، مستغلة وجود بقايا للتنظيم وفلول له في صحراء سرت نواةً لإعادة تجميع صفوف التنظيم المندثر، لكن في اعتقادي لن ينجح مشروع إعادة إنتاج «داعش» في ليبيا؛ لأن صانع «داعش» الرئيسي قرر إنهاء هذا الجنين المسخ؛ نظراً لتغير استراتيجيته، لتبقى هذه الأفعال وغيرها مجرد زبد يذهب جفاء.
محاربة «داعش» أو تنظيم «الدولة» أو دويلة البغدادي عسكرياً تعتبر خطوة مهمة، باتت تؤتي أكلها، لكنها لا تكفي لإنهاء التنظيم؛ كونه سينهزم في منطقة وسيعيد ترتيب صفوفه في أخرى، وسيعود للعمل تحت الأرض بالسكاكين واستخدام كافة الأسلحة المتاحة، ومنها استخدام العربات للدهس والسحل. المهم هو استمرار تدفق الذئاب المنفردة إلى صفوف التنظيم ضمن حملات تجييش يقودها جيش «داعش» الإلكتروني.
«بعض» جماعات الإسلام السياسي ساهمت في تمدد «داعش» وعملت على استغلال وجودها، والتمكين لها بصفتها جيوباً عسكرية حليفة تحقق بها أهدافاً مشتركة في مناطق توتر في بعض المدن الليبية، يتم مدها بالسلاح والمال والتغاضي عن وجود عناصرها، بل تهريب المقاتلين والمرتزقة إلى صفوفها، وحتى تزويدها بجوازات سفر ليبية، في ظل سيطرة الميليشيات على منافذ جوية وبرية ليبية.
«داعش» الآن في ليبيا يجمع صفوفه جنوب سرت في أودية صعبة المسالك، كما يجمع أطرافه الأخرى في مدينة صبراتة الليبية، التي يجاهر «داعش» من حين إلى آخر بالظهور العلني فيها، وسبق أن تعرضت لقصف الطيران الأميركي؛ إذ استهدف اجتماعاً إقليمياً لقيادات «داعش» سبق أن تسللت عبر الحدود التونسية، التي تسلل منها الكثير من عناصر «داعش» وضرب أهدافاً حيوية في العمق التونسي.
إعادة إنتاج «داعش» في الصحراء الليبية لن يشكل خطراً على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديداً إقليماً ودولياً خطيراً، وبخاصة مع اتساع رقعة الصحراء الليبية وصعوبة ملاحقة عناصر «داعش» فيها، إذا ما تحصنت بجبال تبستي وجبال العوينات الوعرة، في ظل غياب قدرة فعلية للحكومة الليبية على السيطرة على حدود طويلة تتشارك فيها مع 6 دول أفريقية أغلبها تعاني من ضعف حكومات المركز فيها، وتنتشر فيها عصابات التهريب من بشر إلى مخدرات وسلاح، لن تتردد في مساعدة «داعش» من أجل المال الذي تبحث عنه بشتى السبل.
«داعش» كان في بداية الأزمة الليبية بمثابة حصان طروادة للبعض للولوج للمشهد السياسي، وكسب مناطق قوة ونفوذ، ومنها تنظيم الإخوان، الذي يزعم أنه لا يمتلك أي قوة عسكرية، وأنهم مجرد جماعة «دعوية»، في حين يمارس العمل العسكري في ثوب ميليشياوي متعدد الأسماء والوجوه، وعندما كان يسيطر على السلطة بالمطلق في ليبيا 2012 سعى إلى تشكيل ميليشيات إخوانية موازية للجيش الليبي، تحت مسمى الدروع، سرعان ما كشفت حقيقة ولائها للتنظيم الإخواني بمجرد اصطفاف التنظيم في انقلاب فجر ليبيا 2014، بعد خسارة التنظيم الأغلبية التي تؤهله للبقاء في السلطة، حتى ولو بالثلث المعطل.
قام تنظيم الإخوان العالمي بدعم جميع ميليشيات الإسلام السياسي، سواء القاعدة أو «داعش» أو «جفش»، وحتى ميليشيا «حزب لله» والميليشيات الشيعية الأخرى مثل الحوثي و«عصائب أهل الحق» والحشد الشعبي، ويتبادل معها المعارف والمعلومات والخبرات، وجميعها مسميات متعددة لحصان طروادة الإخواني للوصول إلى السلطة.