محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

العالم يحتاج إلى الحب

«كيف يمكن حرق اليهود؟» كان عنوان مقال انتشر في الأسبوع الماضي هو وعنوان مقال آخر عن «كيف خرب اليهود العالم». كلاهما من كتابة متطرفين غير عرب.
لم تنشره الصحافة المطبوعة لأنها أذكى من أن تتبنى مثل هذه المقالات الكارهة، بل تم نشرها كإعلانات على «الفيسبوك» الذي يملكه مارك زوكرييرغ.
كيف ذلك؟ لك كل الحق في أن تسأل، والجواب أن مؤسسة «فيسبوك» نشرت هذين المقالين ومقالات أخرى كإعلانات مدفوعة الثمن. موقع «بروبابليكا» كشف الحادثة، وأكد من مصادر من المؤسسة الضخمة ذاتها أن عملية تسلم المادة وقبض فلوسها ونشرها لم يستغرق أكثر من 15 دقيقة.
قف أنت في جادة شارل ديغول في باريس أو عند ترافلغار سكوير في لندن أو في قلب برلين أو نيويورك وأخطب عالياً ضد اليهود، وستجد نفسك منتقلاً في سيارة الشرطة للتحقيق، وربما دخلت السجن بتهمة نشر الكراهية. أما «فيسبوك» فهذه الجريمة مغفورة أو هكذا يبدو.
تم النشر لبضعة أيام قبل أن يثير انتباه «بروبايكا»، فتتصل بالمؤسسة الكبرى وتلفت نظرها أن هذا الإعلان هو دعوى للكراهية. قام «فيسبوك» عندها بحذف المقالات المعلنة، وأكد أنه سيحسن مراقبته لمثل هذه المنشورات.
«لسه بدري» (كما يقول المصريون) و«ليش مستعجل؟ لسه فيه وقت» (كما يسخر اللبنانيون)... لكن السؤال هو كيف لم يتحسن مستوى المراقبة خلال السنوات الـ13 من ولادة هذه المؤسسة الضخمة؟
الخطر ليس فقط نشر مقالات حول «كيف تحرق اليهود؟» في موقع يؤمه يومياً عشرات الملايين إن لم يكن أكثر، بل متى سيتم نشر شيء مثل «كيف تحرق المسلمين»، فالحاصل فيما يُسمى بـ«الثورة العلمية» أن أي حاقد يستطيع أن يوجه حقده ضد أي أحد مستتر بما هو متاح من حرية التعبير.
والمسألة ليست مسألة «فيسبوك» على الإطلاق، بل مسألة هذا الوحش التكنولوجي الذي يتيح لنا جميعاً أن نفتح مدوّنات ومواقع أو ننشر في مؤسسات مختلفة ما نريد من دون رقيب. يتيح لنا أن نكذب. أن ننشر التفاهات. الفساد الأخلاقي. الكراهية. الدعوة للقتل الخ... والدفاع جاهز: أنشر ما أريد واقرأ أنت ما تريد.
هل يعني ذلك أنني رجعي؟ لا أعتقد، بل يعني أنني أخشى أن يزداد معدل الكره الجاثم في النفوس إلى درجة تساقط المزيد من الضحايا الأبرياء، كما يحدث في بورما على أيدي بوذيين كانوا إلى حين قريب نموذجاً (ولو مفبركاً) للتسامح والحب.
العالم يحتاج إلى الحب أكثر من أي وقت مضى. كوكبنا الذي يعيش حالات الوباء والسخونة ويهدد بتدمير نفسه، يحتاج إلى حبنا... كذلك كل طائر وحيوان وحشرة فيه وأساساً كل إنسان يعيش اليوم فوقه. إذ تبحث في بحار الإنترنت تجده مليئاً بما لا يجب أن يقرأ أساساً. الأخلاق تمنعه. وجودنا الإنساني ينافيه. أدياننا تجتمع على نبذه... لكنه منتشر أساساً، لأن نفوس البشر ضعيفة حيال العاطفة وحيال المال.
هل مواجهة ذلك منال صعب؟ نعم إذا ما كانت الأصوات المنادية به لا تملك سوى... الكلمة الطيبة.