حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

فئة الشباب

منذ فترة غير بسيطة اتخذت قراراً «اجتماعياً» أحرص على تطبيقه بشكل مستمر، وهو الاكتفاء من الجلوس مع من هم أصغر مني سناً وفي جيل أبنائي، وكان في ذلك الأمر فوائد جمة عليّ. مكنتني تلك اللقاءات من رؤية كثير من المواضيع من وجهة نظر مختلفة تماماً، بل وحصلت لدي فرص عظيمة للاستفادة والتعلم بالمعنى الحقيقي للكلمة.
قارنت بيني وبين نفسي حجم التركيز الذي يضعه المجتمع العربي على الماضي وتكرار أن الماضي هو الزمن «الجميل» وأن الأمس كان أجمل من اليوم، و«أهل زمانه غير» وأن كل شيء «اليوم» تغير ولم يعد بالإمكان التعود عليه ولا الثقة فيه. هل من المعقول حجم الرسالة السلبية المرسلة إلى جيل الشباب في العالم العربي وهو الذي يشكل متوسطاً عاماً أكثر من 60 في المائة من التركيبة السكانية ويعوّل عليه الكثير في سوق العمل والقيادة المستقبلية؟ نحطم فيهم وبشكل ممنهج ونرسل لهم الرسائل أنهم جيل فاشل ومهما عملوا لن يتمكنوا من أن يكونوا مثل السلف الذين سبقوهم.
العصر الحالي في العالم شهد كثيراً من التحولات والتطورات في كل مجالات العلوم والتقنية والطب، وهي في معظمها انعكست على تحسين نموذج وأسلوب الحياة لكل الساكنين على كوكب الأرض؛ جعلت الحياة أطول وبأمراض أقل ورفاهية أكبر، وليس مفاجئاً حينما يقال إن أكثر من 80 في المائة من كل العلماء في تاريخ البشرية عاشوا في آخر 80 عاماً وذلك قياساً بحجم الاختراعات المذهلة والمتتالية في كل الأصعدة وجميع المجالات مع زيادة الدعم المالي وانتشار الأفكار عبر وسائل التوعية والتواصل بمختلف أشكالها.
هناك روح مختلفة لجيل الشباب في العالم العربي وهي شريحة تشعر بأنها غير مقدرة ولا تلقى الاحترام والتقدير الكافي لها، فئة تعتقد أنها «مغيبة» بسبب نظرة المجتمع السطحية لها. فئة الشباب التي حولنا وبيننا اليوم هي فئة جديدة ومختلفة تماماً عن الجيل الذي سبقها... فئة واثقة من نفسها لديها اطلاع على ما لم يكن معروفاً ومسموحاً، اطلاع عشوائي ولكنه جريء وهذه الجرأة توظف بشكل إبداعي ومهم وملهم، وهذا يفسره تماماً حجم الأفكار الجديدة الخلاقة في عالم الأعمال، والتي تقدم من هذه الفئة ضمن مجموعة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومع ذلك، فإن العراقيل والتعقيدات والسخرية منهم في بعض دوائر صناعة القرار تبقى مأساوية مهما كانت الشعارات المرفوعة تقول وتتغنى بعكس ذلك، الخطاب الاجتماعي لا يزال معادياً وساخراً وشكاكاً ومنتقصاً في حق فئة الشباب، وهذا الذي يفسر الإحساس بالقنوط واليأس الذي ينتابهم ويصل بهم إلى حد الهجرة أو الموت في سبيل الهجرة كما تظهر لنا الأخبار بشكل مأساوي.
كل جيل له ما له وعليه ما عليه، ليست هناك مزايا على أحد إلا بما أنجز، وإذا كنا نؤمن بأن الخير باقٍ وموجود حتى قيام الساعة فإن هذا يدعونا لزرع الثقة في فئة عليها الاعتماد في بناء الحاضر لأجل مستقبل أفضل، ولا أجد أفضل من كلمة قالها لي أحد الشباب الذين التقيتهم أخيراً، قال لي متنهداً: «صدقني نحن لسنا بهذا السوء، كل ما نحتاج إليه هو حسن الظن وقليل من الثقة والفرصة العادلة».