محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

الكابتن روبوت رقم TX29

عرفت المطارات منذ أن بدأ والدي، رحمه الله، السفر إلى المملكة العربية السعودية في الستينات كأحد صاحبي مصنع النجارة في شارع المنفوحة في مدينة الرياض، وكنت في نحو الثالثة عشرة من عمري. كنا، والدتي (رحمها الله أيضاً) وأنا نتوجه للمطار لتوديعه ونتوجه للمطار لاستقباله. بعد سنة لحقنا به إلى الرياض حيث استقر بنا المقام لثلاثة أو أربعة أشهر.
بعد ذلك بدأت السفر والتجوال بمفردي وزرت معظم العالمين العربي والغربي وبعض الآسيوي وبعض أفريقيا.
أستطيع أن أضع كتاباً عمن التقيت بهم في المطارات المختلفة وأحداث بعضها غريب والبعض الآخر أكثر غرابة. لكن معـظمها نوستالجيا عن زمن لم يعد كما كان كحال الكثير من شؤونه وشؤوننا. من بينها أن المطارات كانت صغيرة.
مطار توسون، في أريزونا، كان عبارة عن قاعة واحدة وباب قديم يشبه بوابات الحانات في أفلام الوسترن، يهتز بعد أن تدفعه وتخرج منه. حال تفعل أنت في أرض المطار بالفعل. شيء شبيه بنهاية فيلم ستانلي كوبريك «القتل» عندما تقع حقيبة بطل الفيلم في أرض المطار فيتطاير منها المال المسروق بفعل محركات طائرة قريبة ومعها أحلام البطل بالسعادة.
ذات مرّة في مطار طرابلس الدولي بانتظار مغادرة ليبيا بعد دعوتي لمشاهدة فيلم «عمر المختار» سمعت صوت المعلن في المطار وهو يقول بالعربية: «الرجاء من الركاب غير العرب التوجه إلى البوابة رقم 6 للمغادرة». أعلن ذلك بالعربية وسكت ونظر الأجانب بعضهم إلى بعض... هل فهم أحدهم ما قيل؟ تبرعت بالتوجه إليهم وإخبارهم بمضمون الرسالة الصوتية.
في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001 كنت وزوجتي في مهرجان تورنتو عندما وقع ذلك الهجوم الإرهابي. أقفلت المطارات في كندا وأميركا لثلاثة أو أربعة أيام. ثم توجهنا إلى مطار تورنتو للسفر عائدين بصحبة نحو 24 عضواً من «جمعية صحافيي هوليوود الأجانب».
كنت أعلم أن أحد الأعضاء مثال في الغباء فتوجهت إليه قبل الوصول لإجراءات السفر وطلبت منه أن لا يناديني باسمي. قال لماذا؟ قلت له: «ألا تعرف ما يدور؟». قال: «نعم، لكن ما دخلك أنت؟». قلت له: «لا دخل لي طبعاً لكن الجو مشحون. فقط لا تنطق اسمي».
رغم ذلك فعل وبصوت عالٍ وحين فعل بدا كما لو ألقى قنبلة. كل الأعين توجهت إلي فبادلتها بعدم اكتراث ظاهر. أما زوجتي، وهي أميركية، فقد رفسته بقدمها على ركبة ساقه. ابتعد وهو لا يزال متعجباً.
كل ما سبق جميل كذكرى وأعيشه مثل فيلم تحبه فتراه مرات ومرات. لكني قرأت للتو أن الطائرات في المستقبل المنظور (نحو 30 سنة أو أقل) سيقودها طاقم من الروبوتس. السيناريو سيكون على النحو التالي: «هالو… إن الكابتن روبوت رقم TX29 أرحب بكم. سأكون قائدكم في هذه الرحلة من لندن إلى لوس أنجليس».
أعتقد حينها سأقول له: «لا. شكراً. أفضل أن أذهب إلى هناك سباحة». أساساً لا أريد أن أركب حتى سيارة تاكسي بسائق روبوت ليس لديه ما يقوله لي. وسيكلفني أكثر مما هو سعر اليوم، وسيحرم عشرات ألوف الناس وعائلاتهم من العمل.