خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكايات عراقية

في كل دولة يوجد ظرفاء يروون أو تروى حكايات عنهم. لم يشذ العراق عن هذه الظاهرة. كان منهم الدكتور فائق شاكر الذي تولى رئاسة أمانة العاصمة، ورشيد عارف الذي أصبح وزيراً في عهد عبد الكريم قاسم، وعبد المجيد الشاوي الذي كان أمين العاصمة في عهد الملك فيصل الأول. بيد أنهم نسوا وأغفلوا الانتباه لشخصية دبلوماسية تميزت بروح النكتة. إنه صديقي عبد المنعم الخطيب الذي كنت أقضي الكثير من وقتي معه نتجاذب أطراف الطرائف الدبلوماسية معاً.
سمعنا عن كثير من الأدباء والشعراء والموسيقيين الذين تولوا الحكم أو شاركوا فيه في كثير من الدول. بَزّها العراق جميعاً بترشيح رجل إلى منصب وزاري لمجرد نبوغه في المصارعة. فبعد أن كسب السيد عدنان القيسي عدة كؤوس فيها وأصبح مصارعاً يشار إليه بالبنان (إذا كنا نجرؤ على الإشارة إلى مصارع بالبنان) اقترح المسؤولون ترشيحه لوزارة الشباب. قد يستغرب القارئ من اختيار وزير لمجرد إجادته في المصارعة. ولكن الحكم في العراق يتطلب من المرء أن يكون مصارعاً أو ملاكماً أو زورخانجياً.
سمع عبد المنعم الخطيب بالخبر فالتفت إلى زميله الدكتور مصطفى كامل، مدير عام وزارة الخارجية. وقال له: «الحمد لله، أخيراً سنحصل على وزير ينال منصبه بذراعه»! قال ذلك ولكن الدكتور مصطفى كان ظريفاً آخر فصحح له قائلاً: «لا أستاذ عبد المنعم، كل وزرائنا نالوا مناصبهم بذراعهم. ما فيهم أحد نال منصبه بعقله»!
مرت الأيام والأعوام وانتقل الخطيب إلى السفارة العراقية في سويسرا. وفي أثناء وجوده هناك حدث أن قدم للمدينة بالطائرة من إسبانيا رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكانت له علاقات ودية مع بعض المسؤولين العراقيين والعرب.
خرج لاستقباله كبار الدبلوماسيين في السفارة العراقية وكان بينهم الأستاذ عبد المنعم الخطيب. فلاحظ أن رئيس الوفد كان شيخاً طاعناً في السن وراح يعاني من حمل شنطته وأمتعته عبر صالة الاستقبال، فهرع إليه عبد المنعم وأخذ الشنطة من يديه وراح يحملها وراءه والرجل ينهال عليه بالشكر والامتنان. لاحظ ذلك أحد موظفي السفارة العراقية فتمتم على أسماع الخطيب وقال بسخرية: «زين تسوي. شيل الشنط مفيد للدبلوماسيين»!
سمع عبد المنعم تلك الكلمات فالتفت إلى زميله وقال: «أنا أشيل الشنط لثقتي بأن الناس لن يخطئوا في هويتي وسيعرفون بأنني دبلوماسي وأستاذ. ولكنك تخشى حمل الشنط لعلمك بأن الناس سيحسبونك على الفور واحداً من الحمالين في المطار»!