عبد الله الجنيد
* كاتب وباحث سياسي
TT

خريطة بدون طريق

موقف الرباعية العربية سياسياً وأخلاقياً لا يحتاج لشرح أو تفصيل، ومن الإجحاف بحق الوسيط والرباعية الاستمرار بقبول وساطته لما له من مكانة معنوية واعتبارية بعد تخلي قطر عن قيمة دوره المضاف في وساطتي 2013 و2014. ففي حال نكصت قطر مجدداً على خريطة الطريق المقترحة فما هي آليات الوسيط والضامن على إعادتها لجادة خريطة الطريق. وقبل كل ذلك، هل سبق لخريطة طريق واحدة أن أفضت لبصيص من نور في أي من أنفاق الملفات العربية وأكبرها سوريا.
احتواء قطر كان أحد مكونات استراتيجية إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، لكن الوساطات حجمت من قيمة ذلك الإنجاز في عدة ملفات أهمهما اتفاق منصات سوريا المتباعدة على اللقاء في الرياض، ودعم مسار توحيد الجهد العسكري المشترك ميدانياً خلف قوات سوريا الديمقراطية. أضف إلى ذلك التقارب العراقي السعودي وتأمين استقرار الأردن. لذلك فإن التفريط في مكتسبات احتواء قطر سيكون عالي الكلفة استراتيجياً إن جاء دون ضمانات غير ضامنة للاشتراطات، ثانياً، خطأ المفاضلة بين قيمة الاحتواء والقبول بصيغة توافقية حول أزمة صُنعت إعلامياً من قبل قطر عبر فرضها الوساطة وتأخر الرباعية في اتخاذ قرار بإغلاق باب الوساطات.
المسار الأكثر عقلانية اليوم هو الانشغال بالتحضير لمستقبل يتجاوز كل إرث ما قبل 2011 بما في ذلك المؤسسات الإقليمية والعربية إن تطلب الأمر ذلك، فإرادة 35 مليون خليجي، هم مواطنو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، مقدمة على كل الأطر الشكلية التي لم تستطع حتى إلزام شركات الهواتف بالامتثال لقرار توحيد تعرفة التجوال الخليجي والذي أقر من قبل إحدى القمم الخليجية. قطر هي من ارتأت لنفسها مشروعها الخاص وعلينا أن نحترم خيارها بعيداً عنا، ومن المجحف أن تفرض علينا إرادتها عبر استنزافنا سياسياً. وما تتغنى به إعلامياً من صمود في حين تسوّق الأزمة دولياً على أساس تنمر الكبار عليها فذلك يجب تجاهله تماماً. جوهرة تاجها السياسي وطنياً هو تنظيمها لكأس العالم 2022 وحال إن نجحت في إتمام البنى التحتية اللازمة فإنها لن تفوز بحضور مشجعي دول جوارها المقاطع كما حدث لطيرانها الوطني. كل ما تحقق من نجاحات وطنية هو نتيجة عمقها الخليجي وسيستحيل عليها تمويل كلفة 2.2 مليون مقيم دائم (برنامج الإقامة الكافل لكل الخدمات الموازية للمواطن) من حيث الخدمات والغذاء بعد رفعها برامج الدعم. من هنا تتضح الحالة العصبية لآليات صناعة القرار الوطني قطرياً.
الخطر الحقيقي في حال القبول بخريطة طريق هو معالجة حالة الامتعاض الاجتماعي خليجياً من مسار السياسات القطرية على المستوى الشعبي لا المؤسسات السياسية الوطنية عندما تقاس الأمور انطلاقاً من قياس الأوزان السياسية بجوارها الخليجي. أما مناورات الابتزاز السياسي للرباعية والولايات المتحدة عبر التهديد بالارتماء في أحضان إيران أو بتقاربها مع تركيا، فإنها سياسة تدرك عبثيتها قبل غيرها. لذلك على القيادة السياسية القطرية إدراك استحالة قبول دول جوارها الخليجي المباشر بأن يصل مستوى الوجود الإيراني لمستوى قد يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي الآن أو مستقبلاً، وعندها لن تنفع وساطات أو احتساب خواطر، ودخول قوات درع الجزيرة للبحرين لهو أكبر مثال على استقلالية القرار السياسي عندما يمس الأمر الأمن القومي الجمعي. لذلك، عليها التخلي عن ذلك المسار العبثي وأن تحترم حقوق الجوار في حال تعذر تحقيق مصالحة حقيقية والأرضيّة السياسية المطلوبة لاستكمال المشاريع الخليجية المعطلة.
عمق الاستقرار السياسي في المنطقة ممثل بالعمق البشري السعودي، وبدون ما يمثله ذلك الثقل سياسياً، وجغرافياً، وبشرياً واقتصادياً فإن استدامة ذلك الاستقرار أمر مستحيل مع ما تعانيه باقي دول الخليج من اختلالات ديمغرافية. فإن كانت قطر غير مقتنعة بأي من الأشكال السياسية المقترحة من قبل المنظومة الخليجية، أي الاتحاد الفيدرالي أو الكونفيدرالي بسبب فوبيا التلاشي السياسي، فلها حق تقرير ما تراه يمثل مصلحتها الوطنية بعيداً عنا. لكن من غير المقبول أن تجتمع دول مجلس التعاون في الكويت دون تحديد مستقبل المجلس كما تستوجبه المتغيرات الجيوسياسية دولياً. فتأجيل أمر الَّبت في هذا الأمر قد يضعف من قدرة المملكة العربية السعودية والإمارات على مواجهة تحديات مستقبلية لن تكون تقليدية، أو قد تسهم في استنزافها سياسياً، وكلاهما أمر مرفوض.
* كاتب وباحث سياسي