ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

ترمب بحاجة إلى الحلفاء في الملف الكوري

يحمل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قيم التحدي والمجابهة وربما الصلف في دمائه؛ إذ يقال إن جده سُئل ذات مرة ما الذي سوف يحدث إن هزمت الولايات المتحدة كوريا الشمالية في الحرب، فأجاب والده عن هذا السؤال بقوله: إن خسرنا الحرب فسوف أضمن لكم تدمير الكرة الأرضية بأسرها. فما قيمة الأرض من دون كوريا الشمالية؟
لقد قرر الرئيس ترمب مواجهة ما هو على الأرجح أكثر النظم الحاكمة تهورا وعنادا ومخاطرة على هذا الكوكب. وتستند آماله في الحلول الدبلوماسية إلى إقناع كوريا الشمالية والصين بأنه على أتم استعداد لمجابهة «نيران وغضب» الحرب النووية إذا ما فشلت المفاوضات. وإذا كانت هوليوود هي من تصوغ سيناريو هذه القصة، فسوف تكون بين كتاب «فن إبرام الصفقات» في مواجهة فيلم «سترينغلوف» الشهير.
ومع نظرة متأنية على تفاصيل التخطيط العسكري والدبلوماسي في الولايات المتحدة تعكس لنا لماذا سوف تكون هذه المواجهة شديدة الحساسية والخطورة. على الرغم من الخطاب القوي والحاد من جانب الرئيس ترمب خلال الأسبوع الجاري، فإن الطريق نحو الأمام بمزيد من البراعة وحسن التعامل؛ فكلا المسارين العسكري والدبلوماسي يستلزمان قدرا من التعاون الوثيق مع الشركاء الإقليميين. فلن يمكن للولايات المتحدة المسير بمفردها في طريق الأزمة الكورية، سواء انتهى الأمر بالحرب أو بالسلام. ولكن الخطر يكمن في أن خطاب الرئيس ترمب يمكنه أن يزعزع من استقرار الشركاء في المنطقة بأكثر من زعزعة استقرار الخصوم. ويفسر السيد روبرت وورك، نائب وزير الدفاع في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي واصل عمله في وزارة الدفاع واستقال مؤخرا: «إن الضربة الاستباقية المقصود منها حماية الوطن من الهجمات المستقبلية هو خيار من الخيارات المطروحة، غير أن المخاطر الكبرى سوف تتحملها كوريا الجنوبية واليابان فيما بعد، والتي تواجه التهديد بالهجمات الصاروخية في الوقت الراهن».
دعونا نبدأ باستعراض الخيار العسكري واحتمالاته. إن الخطة «أوبلان 5027»، كما هي معروفة إعلاميا، عبارة عن موجز للتفاصيل اللوجستية، ولكن الافتراض الأساسي بسيط للغاية: الولايات المتحدة سوف تقاتل جنبا إلى جنب مع كوريا الجنوبية للسيطرة على شبه الجزيرة الكورية، وسوف تحتاج وزارة الدفاع الأميركية إلى نحو شهرين كاملين من العمل لنقل الجنود والمعدات المطلوبة إلى هناك.
وسوف تعتبر الفترة التحضيرية المطولة تلك بمثابة فترة حافة الهاوية النووية بالمعنى العسكري. وإذا قرر الرئيس الأميركي أن المفاوضات غير قابلة للنجاح، فمن المفترض أن يبدأ في نقل القوات والعتاد من الولايات المتحدة، وأوروبا، والشرق الأوسط. وسوف تشتمل القائمة على الطائرات المسيرة المسلحة، والمدفعية المضادة لبطاريات المدفعية، وعتاد الاتصالات، والاستخبارات، إلى جانب عشرات الطائرات، والآلاف من الجنود. ويطلق الجيش الأميركي على ذلك مسمى «القائمة المرحلية لانتشار القوات».
وطوال هذه الفترة، أي أثناء تجميع الولايات المتحدة لهذه القوة الكبيرة على مدى 45 إلى 60 يوما كاملة، سوف تكون العاصمة سيول وسكانها البالغ عددهم 10 ملايين نسمة عرضة للضربات الهجومية الاستباقية من جانب كوريا الشمالية. فما هو المتوقع من بيونغ يانغ أن تفعله أثناء تجميع القوات المعادية لشن الحرب ضدها؟ التفاوض أم الهجوم؟
والخسائر الرهيبة في صفوف المدنيين لن يمكن تفاديها بأي صورة من الصور في حالة اندلاع الحرب. إذ تملك كوريا الشمالية الآلاف من بطاريات المدفعية على الجانب الآخر من المنطقة منزوعة السلاح التي تفصلها عن كوريا الجنوبية. وإذا تعرضت بيونغ يانغ للهجوم أو التهديد بالدمار الشامل فسوف ترسل وابلا من الجحيم صوب الجنوب. وتقدر وزارة الدفاع الأميركية أنه يمكن لكوريا الشمالية، في اليوم الأول فقط، أن تطلق ما يصل إلى 100 ألف قذيفة صاروخية ومدفعية على كوريا الجنوبية.
ولحماية ما يقرب من 300 ألف مدني أميركي يعيشون في سيول من هذا الجحيم، تخطط وزارة الدفاع الأميركية لتنظيم «عمليات إجلاء غير المقاتلين». ومن شأن تنظيم الطائرات والسفن لإجلاء هذا العدد الهائل من المواطنين أن يكون أشبه بكابوس مريع، كما هو الحال بالنسبة للفوضى التي سوف تشيع بين جموع المتروكين في البلاد سواء بسواء. ويقدر المحللون أن مليونا من المواطنين غير الكوريين يعيشون هناك، بما في ذلك المواطنين الصينيين. فكيف سوف تتسنى لهم المغادرة؟ وقد تساعد الصين في جهود الإجلاء، ولكن ما هو السعر السياسي المدفوع لأجل ذلك؟
قد تحاول الولايات المتحدة توجيه ضربة استباقية صاعقة ضد أي هجوم من جانب كوريا الشمالية، وربما تستخدم الأسلحة السيبرانية وغيرها من الأسلحة غير الاعتيادية. ولكن وزارة الدفاع الأميركية تحذر صناع السياسات في واشنطن أنه ليست هناك من وسيلة لضمان عدم إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ نووي ردا على مثل هذه الضربة الأميركية. سوف تكون مقامرة مفرطة في الهلع والخطورة.
فماذا عن الخيارات الدبلوماسية، إن كان السيناريو العسكري بمثل هذا الفزع؟ ظلت إدارة الرئيس ترمب تعمل عن كثب خلال الشهور الماضية لتشجيع الجانب الصيني على المساعدة في إجراء المفاوضات. ومن باب التودد إلى بكين، تعهد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن الولايات المتحدة لا تسعى وراء تغيير أو الإطاحة بنظام الحكم في بيونغ يانغ، ولن تؤيد أي محاولة لإعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية، ولا ترغب في إرسال القوات العسكرية الأميركية إلى شمال خط عرض 38 هناك. وتفي هذه الصيغة الأميركية بشروط بكين المعلنة بشأن مستقبل شبه الجزيرة الكورية، ومن شأنها أن تهدئ بعضا من مخاوف السيد كيم كذلك.
وصرح السيد تيلرسون، الذي يقود الجهود السياسية الكورية (في غياب التغريدات أو التصريحات العلنية من جانب رئيسه المباشر!)، للصحافيين بأن السيد كيم يمكنه الإعراب عن استعداده لإجراء المحادثات عن طريق وقف التجارب الصاروخية.
لا تزال المائدة معدة لإجراء المفاوضات. وتقول المصادر المطلعة بشأن الصين أن زعماء الحزب الحاكم جرى إطلاعهم خلال إجازتهم الساحلية السنوية ببعض الخطوات الصارمة الممكن اتخاذها للضغط على حكومة بيونغ يانغ، بما في ذلك خفض شحنات النفط أو ربما فرض الحصار البحري.
وفي اللحظات التي تتطلب أكبر قدر ممكن من البراعة والدقة، رفع السيد ترمب من حدة خطابه السياسي مرة أخرى يوم الخميس، محذرا كوريا الشمالية من «الأشياء التي لم تخطر على بالهم من قبل». إنه يتحدث كمثل مذيعي مباريات مصارعة المحترفين الشهيرة، غير أن الوضع الآن حقيقي وواقعي من دون أدنى شك!
* خدمة «واشنطن بوست»