محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

جذور عنصرية

في أول زيارة لي للولايات المتحدة في سنة 1979 (وكنت في أواخر العشرينات من عمري) أضعت طريق العودة إلى فندقي في مدينة نيويورك ليلاً، فسألت رجلاً أبيض عن العنوان فلم يعرف. مشيت خطوتين ثم سمعت صوتاً يقول لي: «أنا أدلك». نظرت خلفي فإذا به رجل أسود البشرة. استمعت إلى شرحه الموجز في الوقت الذي كانت فيه نفسي تحدثني بالاحتياط منه. مشيت ومشى بمحاذاتي. ازداد حذري.
بعد دقيقة قال: «علي أن أذهب من هذا الطريق (أشار إلى يمينه) هل أنت متأكد أنك تعرف طريقك الآن؟». كنت أعرف أين أنا الآن وذلك بناء على توجيهاته، فابتسمت له وشكرته ومضى كل منا في طريقه.
لكن لماذا خفت؟ سبق لي أن تحدثت هنا عن الخوف من المجهول، لكن في هذه الحادثة المجهول هو نتيجة نمط من الصور الذهنية الجاهزة التي تتراءى حالما تجد نفسك أمام شخص لا تعرفه ولا تستطيع أن تعلم إذا ما كنت تستطيع الثقة به أو لا. حقيقة أنه شخص أسود يعزز الخوف الناتج ويكشف عن استعدادنا للتنميط.
هذا يحدث كل يوم في كل مكان: مع البيض حيال السود، مع السود حيال البيض، مع الغالبية حيال الأقلية، والأقلية حيال الغالبية. يحدث في كل مجتمع فيه أكثر من عنصر أو لون أو طائفة. يحدث معنا نحن المسلمين كل يوم في هذه الأيام ليس كنتيجة جانبية للإرهاب المتطرف بل لأن الإرهاب المتطرف يهدف إلى تخويف الأوروبيين وسواهم من الإسلام والمسلمين، ومع تعدد حالات الدهس والقتل المتعمد والتفجير ينجح أيما نجاح.
ما حدث في مدينة شارلوتيل، ولاية فرجينيا، قبل أيام يملأ الصحف والمجلات الأميركية هذا الأسبوع، ناهيك عن المواقع. استعراض قوّة للجماعة المتطرفة البيضاء (نازيون جدد وخلافهم) ضد كل آخر. هذا الآخر قد يكون أسود البشرة أو مسلم الديانة أو يهوديا أو آسيويا أو مكسيكيا الخ... وفي حين أن المتظاهرين المنددين بالجماعات المتطرفة كانوا مسالمين وبلا سلاح، تحدثت الأنباء عن سلاح ظاهر وجاهز في أيدي العصابات المتطرفة، بل عن فريق منهم ارتدى ثياب العسكر الصربي (نسبة إلى الزي الذي ارتدته القوى الصربية خلال الحرب الأهلية)، لأن القانون في تلك الولاية «لا يمنع السلاح الظاهر» كما ذكرتنا إحدى تلك الصحف.
لكن لماذا؟ لماذا كل تلك الضغينة وكل ذلك الحقد؟ لماذا العنصرية؟ في العديد من مجتمعاتنا العربية هناك عنصرية تمارسها الغالبية على الأقلية، إما لأسباب دينية أو لأسباب عرقية، أو لأسباب تتعلق بأن هذا الآخر مهاجر ليس من مستواه التعليمي أو المعيشي. هذا على طريقة رد فعل رجل بريطاني محافظ أول ما بدأ الهنود قيادة الحافلات الحمراء ذات الطابقين في لندن، إذ صرخ: «يقودون حافلاتنا». الدين الإسلامي ينبذ العنصرية كذلك الدين المسيحي الداعي إلى المحبة. لكن من يمارس العنصرية يتبرع بموقفه بعيداً عن نصوص الأديان. بعيداً عن الإدراك العاقل أن لا أحد في هذه الدنيا أفضل من سواه. نلد ونموت بنفس واحد. تجرح أي منا، فينزف الدم ذاته. وعالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى ما عاد يتحمل كل هذا التعسف والتعصب.