الرائدان السعوديان في محطة الفضاء الدولية: نعيش حلماً ولحظة تاريخية

أكد رائدا الفضاء السعوديان، ريانة برناوي وعلي القرني، أنهما يعيشان حلماً ولحظة تاريخية بعد وصولهما إلى محطة الفضاء الدولية، مع رائدين آخرين، عند الساعة السادسة والربع مساء الاثنين بتوقيت السعودية، عقب رحلة استغرقت حوالي 18 ساعة.

وقال رائد الفضاء السعودي علي القرني من داخل المحطة: «بحمد الله وصلنا... نحن هنا للقيام بتجارب علمية تعود بالنفع على البشرية بإذن الله».

وقالت زميلته ريانة برناوي: «بدعم قيادتنا الرشيدة... نحن الآن نعيش حلماً لم نتوقع أن يصبح حقيقة... وهذه الرحلة تمثل السعوديين والوطن العربي بأكمله... وأيضاً فرصة لنكتشف الفضاء».

كانت رحلة طاقم مهمة «AX-2» قد انطلقت منتصف ليل الأحد-الاثنين، والتحمت مركبة «دراغون2» التي تقلهم، بالمحطة الدولية عند الساعة الرابعة والربع عصراً.

الصاروخ لحظة انطلاقه من فلوريدا (أ.ف.ب)

وحملت «دراغون 2»، على متنها 4 رواد فضاء، هم؛ ريانة برناوي، أول رائدة فضاء سعودية، وعلي القرني، أول رائد فضاء سعودي يتجه للمحطة الدولية، والأميركيَّان بيغي ويتسون، وجون شوفنر، في مهمة تستمر 10 أيام.

ويجري الرواد خلال المهمة 14 تجربة بحثية علمية رائدة في الجاذبية الصغرى، تُسهم في التوسع العلمي والأبحاث بجميع تخصصاتها، ويكون لها مردود في تطوير كثير من البرامج والأبحاث. كما تشمل مهامهم التواصل مع جمهور منتقى على الأرض للترويج لأبحاث الفضاء وعمل المحطة الدولية.

وتعد هذه الرحلة منعطفاً تاريخياً في قطاع الفضاء السعودي، كونها ضمن برنامج السعودية لرواد الفضاء، الذي أُطلق في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، وتأتي تأكيداً لتوجهات المملكة الجادة نحو الاستفادة من هذا القطاع في كل مجالاته، باعتباره قطاعاً مستقبلياً عملاقاً تتقاطع فيه رؤى عالمية نحو الاستدامة والتكنولوجيا والأبحاث العلمية.

الرواد الأربعة في لقطة أخيرة قبل انطلاق مهمتهم (أ.ب)

ويهدف برنامج السعودية لرواد الفضاء إلى تأهيل كوادر وطنية متمرسة لخوض رحلات فضائية، والمشاركة في إجراء التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالقطاع.

اختبارات شاملة لريانة وعلي

وخضع رائدا الفضاء ريانة برناوي وعلي القرني لجملة من الاختبارات، شملت قياس المؤشرات الحيوية عن طريق الدم لدراسة تغييرات المؤشرات الحيوية في الدم التي تُبين أنسجة الدماغ الوظيفية في مهمات الفضاء قصيرة المدى؛ لتحديد ما إذا كانت هذه الرحلات آمنة للدماغ، وكذلك تجربة قياس الحدقة، لقياس الضغط داخل الجمجمة، باستخدام جهاز أوتوماتيكي لقياس الحدقة في مهمة الفضاء قصيرة المدى؛ لقياس أي تغييرات في الضغط داخل الجمجمة.

أقارب ريانة برناوي وعلي القرني يودعونهما قبيل انطلاق المهمة (أ.ف.ب)

وتضمنت الاختبارات أيضاً قياس قطر غلاف العصب البصري، وتجربة الإرواء الدماغي، وتعديلات وضع الدماغ في الجاذبية الصغرى، وتجربة علوم الخلايا، وتجارب توعوية وتعليمية في الجاذبية الصغرى.

«السعودية نحو الفضاء»

ويجسد الشعار الرسمي للمهمة العلمية للمملكة إلى محطة الفضاء الدولية (ISS)، الشكل الدائري في أعلاه «علم السعودية» وفي جانبي العلم عبارة «السعودية نحو الفضاء» يقابلها اسما رائدي الفضاء، مع انتشار النجوم في بطن الدائرة.

ويعبر هذا الشكل عما تحمله المهمة العلمية للمملكة من أهداف سامية لتمكين الإنسان، وحماية كوكب الأرض، وفتح آفاق جديدة من خلال مجموعة الأبحاث التي سيجريها رواد الفضاء في مجالات الصحة واستدامة البيئة، فيما سيزيّن الشعار الزي الرسمي لطاقم الرحلة؛ إذ جرت العادة في جميع الرحلات الفضائية أن يكون هناك شعار رسمي لكل رحلة قبل مغادرة الطاقم كوكب الأرض إلى الفضاء.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً رائدة الفضاء ريانة برناوي الشهر الجاري (واس)

وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استقبل، في وقت سابق من الشهر الحالي، رواد الفضاء: ريانة برناوي، وعلي القرني، ومريم فردوس، وعلي الغامدي، قبل انطلاق المهمة العلمية للمملكة إلى محطة الفضاء الدولية، مؤكداً في حديثه لرواد الفضاء أنهم يمثلون قدرات الشعب السعودي وطموحاته في الإسهام بالابتكارات وأبحاث الفضاء، لإيجاد حلول مستدامة لخير البشرية.

كما أشار إلى الآمال الكبيرة المعقودة على رائدة الفضاء ريانة برناوي ورائد الفضاء علي القرني؛ كونهما سفيريْن وممثليْن لبلدهما في محطة الفضاء الدولية.

الفضاء والمستقبل العربي

كم أسعدنا ورفع رؤوسنا استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رواد الفضاء السعوديين: ريانة برناوي، وعلي القرني، ومريم فردوس، وعلي الغامدي، الذين يستعدون للوصول إلى المحطة الفضائية الدولية، في الرحلة المقرر انطلاقها في شهر مايو (أيار) المقبل.
وكان أول رائد فضاء عربي هو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وهو عقيد في القوات الجوية الملكية السعودية وطيار مقاتل، وقد أمضى في الفضاء أسبوعاً واحداً وساعة واحدة في عام 1985. أما أول رائد فضاء سوري فهو محمد فارس الذي شارك في رحلة فضائية في مكوك سوفياتي في عام 1987.
لم يخدم الحظ أبا القاسم عباس بن فرناس المولود في الأندلس في زمن الدولة الأموية، واشتهر بمحاولته الطيران، إضافة إلى كونه شاعراً وموسيقياً وعالماً فيلسوفاً في الرياضيات والفلك والكيمياء، وهو مخترع أول قلم حبر في التاريخ. ولد في عام 810ﻫ، وتوفي في عام 887ﻫ، وهو مسلم من أهل السنّة.
وصف المؤرخون بيت عباس بن فرناس بأنه نموذج يحاكي السماء الزرقاء، يرى فيه الزائر النجوم والسحاب والصواعق والبرق. أما أشهر أعماله فهو استخدامه جناحين في محاولة للطيران بالقرب من قصر الرصافة في بغداد التي زارها.
وتكريماً له تم تسمية فوهة قمرية باسمه، وقد تم وضع تمثال له أمام شارع يؤدي إلى مطار بغداد الدولي، وله مطار آخر باسمه شمالي بغداد، وأقيم جسر عباس بن فرناس في قرطبة بإسبانيا. وكان قد عاصر الأمراء: الحَكم بن هشام وابنه عبد الرحمن وحفيده محمد، وكانوا يطلقون عليه لقب «حكيم الأندلس».
بادرت السعودية إلى إنشاء المجلس الأعلى للفضاء برئاسة ولي العهد، وتم تغيير اسم «هيئة الاتصالات» ليشمل الفضاء والتقنية، لتكون نافذة على صناعة سوق الفضاء، وتحفيز البحث والابتكار. وتخطط المملكة لتوفير بنية تحتية؛ ليس لاستكشاف الفضاء فقط، وإنما تشمل صناعات الفضاء بالتعاون مع القطاعات العالمية المتخصصة.
وقد نوه ولي العهد بدور قطاع الفضاء و«مساهماته في تعزيز تنافسية المملكة دولياً، واستكشاف الفضاء لخدمة العلم والإنسانية». ووصف ولي العهد رواد الفضاء ورائداته بأنهم «سفراء وممثلون للوطن في محطة الفضاء الدولية».
وهذه المحطة مشروع تعاوني قابل للسكن في مدار أرضي منخفض، وهي متعددة الجنسيات، وتضم خمس وكالات فضائية، هي: الولايات المتحدة وروسيا واليابان وأوروبا وكندا. والسعة القصوى للطاقم 6 أفراد. وتم إطلاقها لأول مرة في عام 1998 من مركز كينيدي للفضاء، طولها 72.8 متر، وعرضها 108.5 متر، وارتفاعها 20 متراً، وحجمها 916 متراً مكعباً، ومتوسط السرعة 766 كيلومتراً في الثانية الواحدة. ومصدر هذه الأرقام والمعلومات وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية. ومضى على وجود هذه المحطة المأهولة بالبشر أكثر من 21 عاماً.
وفي برنامجها إذا توفرت السيولة المالية زيارة القمر أو المريخ. وحتى عام 2021 زار المحطة 244 رائد فضاء وسائحاً فضائياً من 19 دولة مختلفة، منهم 153 أميركياً و50 روسياً و9 يابانيين، وآخرون كنديون وإيطاليون وفرنسيون وألمان وبرازيلي واحد وإماراتي واحد. وفي القائمة الرواد الأربعة الذين استقبلهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الأسبوع الماضي.
باختصار: تُكمل المحطة الدولية 16 دورة حول الأرض خلال اليوم الواحد. وعندما تغرب الشمس في لندن تُغلق نوافذ المحطة آلياً لإعطاء الرواد شعوراً بالليل ليناموا، ثم يستيقظون في الساعة السابعة صباحاً ليعملوا 10 ساعات يومياً. لم تؤثر كثيراً الحرب الروسية على أوكرانيا في برنامج المحطة الدولية، ولا يرغب أساساً الرواد في أي نقاشات سياسية؛ لأن مهمتهم علمية ومصيرهم واحد، وهدفهم استقراء الفضاء بلغاتهم المختلفة.
وتعتبر مواصفات المحطة أغلى بناء تم تشييده من قبل البشر، وفي أعلى نقطة على الإطلاق، وبلغت التكاليف 150 مليار دولار، وهي تستخدم الخلايا الشمسية المصفحة، وتبلغ سرعة المحطة حد أنها تستطيع الذهاب إلى القمر والعودة منه في أقل من 24 ساعة، مع أن مساحتها تعادل ملعب كرة قدم.
قد يتساءل أحد عن كيفية تناول الرواد طعامهم. يتم تحضير الطعام في وكالة «ناسا» وهو طعام مغذٍّ ومنشط وصحي، وصالح للأكل لعدة سنوات، وبين الأطعمة المكسرات والحلويات والبسكويت، وكذلك مياه الشرب والعصائر.
ومع أن هذه المحطات قدمت خدمات استفادت منها المركبات الفضائية، فإن بعضها تمت إعادته إلى الأرض وتفكيكه. وكان الاتحاد السوفياتي يدير برنامجين فضائيين معاً في السبعينات من القرن الماضي، وكانا يعرفان باسم برنامج «ساليوت»، وتم إطلاق 7 نسخ منه مرقمة من (1- 7). بينما كانت للولايات المتحدة في الفترة نفسها مركبة «سكاي لاب» العائدة لوكالة «ناسا»، وللصين أيضاً برنامج فضائي في عام 2011 تحت اسم «تيانغونغ– 1». وبعض هذه البرامج كانت لا تكتفي بالبحوث العلمية وإنما لها برامج عسكرية سرية لعمليات الاستطلاع والتجسس. وكل هذه المركبات لم تكن مأهولة.
المنافسة الفضائية السرية والعلنية كانت، كما يعرف المتخصصون، بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب الباردة، وكان السبق فيها لموسكو حين أطلقت أول قمر صناعي في عام 1957 حاملاً «الكلبة لايكا». لكن أول رحلة مأهولة ناجحة كانت من نصيب الروسي يوري غاغارين في عام 1961.
المفاجأة الفضائية التي تم الكشف عنها في الولايات المتحدة قبل أيام هي مشروع علمي جديد تموله وكالة الفضاء «ناسا» يسمى «هارب»، يقوم بتسلّم موجات صوتية لا يمكننا سماعها آتية من الفضاء الخارجي، ويتم تحويل تلك الموجات المنخفضة التردد إلى صفارات مسموعة تعين علماء الكون في فك الاهتزازات الفضائية التي تساعد على أداء ما وصفته وكالة «ناسا» بـ«أغنية الشمس والأرض».
في عام 2021، حذرت روسيا من أن محطة الفضاء الدولية قد تواجه إخفاقات لا يمكن إصلاحها بسبب قِدم التجهيزات والتقنيات.
وقيل إن 80 في المائة على الأقل من أنظمة الطيران في الجزء الروسي من المحطة انتهت صلاحيتها. وتم اكتشاف شقوق صغيرة يمكن أن تتفاقم بمرور الوقت كما ورد في أحد أخبار إذاعة «بي بي سي» البريطانية. وبُنيت المحطة في عام 1998 كجزء من مشروع مشترك بين روسيا وأميركا وكندا واليابان وبعض الدول الأوروبية، وتوقع الفنيون الروس أن عمر المحطة لن يتجاوز 15 عاماً، وأن موسكو قد تغادر المحطة الدولية في عام 2025.

اقتصاد الفضاء

ويمثل قطاع الفضاء قوة اقتصادية للدول في تفرعاته، التي تشمل تطوير وتوفير المنتجات والخدمات الفضائية للمستخدمين النهائيين، كما أنه يشكل سلسلة طويلة من القيم المضافة من الجهات الفاعلة في البحث والتطوير من خلال الشركات المصنعة للأجهزة والمعدات الفضائية، إلى مقدمي المنتجات والخدمات الفضائية التي تُقدّم للمستخدمين النهائيين.

طاقم مهمة «AX-2» بعد صعودهم إلى مركبة «دراغون» التي ستقلهم إلى محطة الفضاء الدولية («سبيس إكس»)

ووفقاً لتقرير ستانلي مورغان لعام 2018، يبلغ حجم اقتصاد الفضاء في العالم 360 مليار دولار، بينما من المتوقع أن يصل إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2040، ونحو 2.7 تريليون دولار بحلول عام 2050.