نزوح في غزة... وغليان بالضفة

مساع سعودية للجم التصعيد * توغل إسرائيلي محدود في القطاع * تحذير إيراني من «حرب إقليمية»* اشتباكات على الحدود مع لبنان

TT

نزوح في غزة... وغليان بالضفة

إسرائيل وجهت إنذاراً بضرورة إخلاء شمال قطاع غزة قبل بدء عملية عسكرية محتملة (أ.ف.ب)
إسرائيل وجهت إنذاراً بضرورة إخلاء شمال قطاع غزة قبل بدء عملية عسكرية محتملة (أ.ف.ب)

بينما تركزت الأنظار أمس (الجمعة) على قطاع غزة الذي يواجه كارثة تهجير لسكانه بعد إنذار إسرائيلي بضرورة إخلاء مناطقه الشمالية قبل بدء عملية برية محتملة، شهدت الضفة الغربية مواجهات واسعة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، وسط مخاوف من انفجار الأوضاع فيها على خلفية ما يحصل في غزة.

ودعا الجيش الإسرائيلي في بيان صباح الجمعة «كل سكان مدينة غزة إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً من أجل حمايتهم والوجود جنوب وادي غزة»، متحدثاً عن مهلة 24 ساعة وهي مهلة غير كافية، كما يُعتقد، لتأمين مغادرة أكثر من مليون شخص هذه المنطقة المكتظة التي شهدت تكثيفاً للغارات الجوية في خطوة تهدف إلى إجبار أكبر عدد من السكان على الهجرة الجماعية جنوباً.

مواطنون ينزحون من مدينة غزة الجمعة (أ.ف.ب)

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، في مؤتمر صحافي، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على اتصال مستمر بالسلطات الإسرائيلية ويحثها على «تجنب كارثة إنسانية».

ويبدو أن إفراغ شمال ووسط غزة، يسبق اجتياحاً برياً قال الجيش الإسرائيلي إنه ينتظر الأوامر لتنفيذه واستبقه أمس بتوغل محدود ولأغراض محددة داخل القطاع قبل الانسحاب.

ولم تجد دعوة الجيش الإسرائيلي لمغادرة شمال غزة استجابة واسعة في الساعات الأولى من نهار الجمعة لكن طوابير النازحين بدأت تتشكل خلال النهار. وفيما دعت وزارة الداخلية في القطاع الفلسطينيين إلى عدم الاستجابة لـ«الدعاية الإسرائيلية» التي تأتي في إطار ما قالت إنه «حرب نفسية»، دخلت «كتائب القسام» على الخط، مؤكدة «أن الهجرة في قاموسنا ليست واردة سوى هجرة العودة إلى عسقلان والقدس وحيفا ويافا وكل فلسطين».

ورد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري بالقول إنه «إذا منعت (حماس) سكان شمال القطاع من مغادرة المنازل إلى الجنوب، فإن مسؤولية ما يترتب عن ذلك ستقع على عاتقهم».

في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يقوم بجولة في الشرق الأوسط، إن «تركيزنا الآن ينصب على إقامة مناطق آمنة للمدنيين في غزة». وأجرى بلينكن أمس محادثات في عمّان مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي حذّر من «أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم»، مؤكدا ضرورة «عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين»، وفقا لبيان صادر عن الديوان الملكي. وبُلّغ بلينكن أيضا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقاء في عمّان أنه «يرفض التهجير القسري» للفلسطينيين في غزة، عادّا أن مثل هذا الحدث سيشكل «نكبة ثانية»، في إشارة إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين في حرب عام 1948 التي أعقبت قيام إسرائيل.

إلى ذلك، شددت السعودية التي يزورها الوزير الأميركي ضمن جولته الخاطفة في الشرق الأوسط، على حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية؛ بهدف حفظ الأمن والسلم الدوليين، مع المطالبة بوقف التصعيد ورفع الحصار عن غزة.

جانب من حركة النزوح من شمال غزة الجمعة (رويترز)

وشهدت الحدود اللبنانية مع إسرائيل مساء أمس توتراً كبيراً، وأعلن «حزب الله» عن مهاجمته عدداً من المواقع الإسرائيلية على الحدود الجنوبية. وقالت وكالة «رويترز» إن أحد مصوريها في جنوب لبنان قُتل خلال تغطية القصف الإسرائيلي. فيما عدّ وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان الذي انتقل من بيروت إلى دمشق، أنّ على الولايات المتحدة الأميركية «لجم» إسرائيل إذا أرادت تجنّب حرب إقليمية، مؤكداً أنّ من أهداف زيارته إلى لبنان التأكيد على «أمن» البلد عند وقع الهجوم في غزة.


مقالات ذات صلة

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

المشرق العربي جنود في مقبرة بالقدس يوم 6 أكتوبر الحالي خلال تشييع عسكري قُتل بهجوم بطائرة مسيّرة يُعتقد أنها أُطلقت من العراق (أ.ف.ب)

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

كشفت مصادر إعلامية في تل أبيب عن اتساع ظاهرة التذمر في صفوف الجيش، وسط معلومات عن رفض 130 جندياً الخدمة في جيش الاحتياط.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا محادثات السيسي ووزير الخارجية الأردني في القاهرة تناولت جهود التهدئة بالمنطقة (الرئاسة المصرية)

مصر والأردن يحذران من خطورة «التصعيد العسكري» بالمنطقة

لقاء الرئيس المصري ووزير الخارجية الأردني في القاهرة تناول مستجدات الجهود المصرية والأردنية الرامية للتهدئة في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يزعم زيارة غزة... وتقرير يؤكد عدم وجود سجل لذلك

زعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أنه سبق أن زار غزة في الماضي، لكن تقريراً نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أكد أنه لا يوجد أي سجل لهذه الزيارة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أم فلسطينية تدعى رحاب تنعى ابنها محمد البالغ من العمر 14 عاماً في مستشفى الأقصى بدير البلح في غزة والذي قُتل إثر غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

مقتل 16 فلسطينياً بينهم 9 من عائلة واحدة في قصف إسرائيلي على غزة

قتل 16 فلسطينياً، بينهم 9 من عائلة واحدة، في الساعات الأولى من صباح اليوم (الأربعاء) جراء غارات إسرائيلية على حي الشجاعية.

«الشرق الأوسط» (غزة )
شمال افريقيا السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)

«تفتيش حرب» بحضور السيسي... رسائل للداخل والخارج

وسط توترات إقليمية متصاعدة، وتحذيرات دولية من اتساع رقعة الصراع، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، «تفتيش حرب» لواحدة من أبرز الفرق العسكرية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

أصغر نازحي لبنان... رضيع بلا منزل وحياة داخل «مدرسة إيواء»

الطفل أحمد الذي يبلغ من العمر 19 يوماً (الشرق الأوسط)
الطفل أحمد الذي يبلغ من العمر 19 يوماً (الشرق الأوسط)
TT

أصغر نازحي لبنان... رضيع بلا منزل وحياة داخل «مدرسة إيواء»

الطفل أحمد الذي يبلغ من العمر 19 يوماً (الشرق الأوسط)
الطفل أحمد الذي يبلغ من العمر 19 يوماً (الشرق الأوسط)

عند ولادة طفل جديد في معظم بلدان العالم تستقبله عائلته بالورود والبالونات الملوّنة، والحلويات الطازجة، والضحكات الممزوجة بدموع الفرح والامتنان، وكان هذا هو حال عائلات لبنان منذ زمن غير بعيد، أما الآن، وسط تدهور الوضع الأمني مع تصاعُد القصف الإسرائيلي، خصوصاً على جنوب البلاد وضاحية بيروت الجنوبية، بات حال الأهل الذين ينتظرون مولوداً جديداً مختلفاً.

«قلق وخوف وحزن وإحباط»... بهذه الكلمات تصِف منال، الشابة النازحة من بلدة الغازية بجنوب لبنان وضعها، حيث اضطرت إلى اللجوء لمركز إيواء بعد ولادة طفلها الثاني مباشرةً.

وضعت منال طفلها أحمد، البالغ من العمر 19 يوماً، في 20 سبتمبر (أيلول)، قبل بضعة أيام من تصاعُد حدة الضربات الإسرائيلية على مناطق لبنانية عدة، وتشرح في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ولدتُ ابني أحمد في مستشفى الراعي في الغازية، بقضاء صيدا، وكانت قرى الجنوب تتعرض للقصف باستمرار».

وتابعت: «عندما خرجت من المسشتفى كان الوضع قد تأزّم بالفعل في منطقتنا، فعرفت حينها أن أحمد لن يتمكن من التعرّف جيداً على منزله أو بلدته للأسف».

وبعد 3 أيام من الولادة توجّهت منال رُفقةَ طفلَيها وزوجها وعائلته، إلى بلدة كفرحتى في الجنوب، ولكن تزامناً مع وصولهم إلى هناك بدأ القصف ينهمر، إلى جانب منزل أقاربهم حيث لجأوا.

وتوضح منال: «كنا جالسين وسمعنا أصوات القصف، وهنا بدأ الخوف يتغلغل في قلبي أكثر، فطلبت من زوجي التوجه إلى منطقة آمنة، في محاولة لحماية طفلَينا قدر الإمكان». ولدى منال طفل آخر يبلغ من العمر سنة و9 أشهر فقط.

ومن كفرحتى بدأت رحلة أحمد، أصغر نازحِي الحرب التي يعيشها لبنان، الصعبة والمتعبة للوصول إلى الوجهة التي يأخذ منها مسكناً آمِناً اليوم.

صف مدرسي تعيش داخله النازحة منال وابنها أحمد وعائلتهما (الشرق الأوسط)

انتظار لساعات... و«ألم»

تشرح منال: «خرجنا على عجَلة من أمرنا، وتوجّهنا نحو طريق الأولي في صيدا بانتظار سيارة أجرة لنقلنا إلى جبل لبنان، انتظرنا وصول السيارة لنحو ساعة من الوقت، بينما كان أحمد يبكي باستمرار بسبب الزحمة المحيطة بنا».

ففي يوم الاثنين 23 سبتمبر، توسّعَت أهداف إسرائيل في القصف، وبدأت تطول قرى وبلدات جنوبية غير حدودية، ووصلت الضربات إلى ضاحية بيروت الجنوبية، الأمر الذي سبّب موجة نزوح ضخمة وغير مسبوقة في يوم واحد، حيث علق المواطنون بسببها على الطرقات لساعات طويلة، وصلت أحياناً لأكثر من 12 ساعة.

وتضيف منال: «توجهنا من صيدا مباشرة إلى منزل صديق لزوجي في جبل لبنان، وقضينا نحو 5 ساعات على الطرقات. كان أحمد يشعر بالضيق طوال الرحلة، بسبب التوقف المستمر وسط الزحمة، والأصوات المرتفعة المحيطة، ويبدو أنه عانى من آلام المغص، ولم يكن بحوزتي أي دواء لعلاجه».

الطفل أحمد يجلس على فراش داخل مدرسة في جبل لبنان (الشرق الأوسط)

«تهديد... فنزوح آخر»

وصلت منال وطفلاها رُفقةَ زوجها وعائلته أيضاً إلى منزل صديقهم في بلدة بالمتن في جبل لبنان، ولاقوا ترحيباً من قِبل عائلة الصديق، حسب قولها. ولكن بعد مرور يوم واحد فقط تعرّض الرجل «لتهديد» من قِبل صاحبة المنزل الذي يستأجره في البلدة، حيث طلبت منه «التخلص من النازحين، أو مغادرة منزلها معهم».

ووسط هذه الحادثة اضطرت منال وعائلتها إلى النزوح مجدّداً، وتقول: «في منتصف ليل اليوم الثاني، وضّبنا أغراضنا مجدّداً، وخرجنا مع أحمد من المنزل وتوجّهنا إلى أقرب مركز إيواء، بسبب عدم قدرتنا على تحمّل تكلفة الإيجارات المرتفعة، ولم نجد إلا مدرسة رسمية تؤوينا».

ويعيش أحمد اليوم رفقةَ عائلته في مدرسة الخريبة الرسمية بجبل لبنان، داخل صف مدرسي لا يحتوي إلا على فراش ومساعدات متواضعة أمّنها لهم سكان البلدة، بينها مواد غذائية وحليب أطفال وألبسة وأغطية ملوّنة تساعدهم على الاحتماء من البرد، مع تدنّي درجات الحرارة على أبواب الشتاء.

وعن أغراضها وحاجاتها الخصوصية، تقول المرأة المنهكة بعد ولادة صعبة، وأيام أصعب لم تتمكن خلالها من الاستراحة: «كنا قد اشترينا أغراضاً كثيرة لأحمد لنستخدمها بعد ولادته، من الملابس إلى زجاجات الحليب والحرامات والألعاب، لكنني لم أتمكن من أخذ شيء معي إلا الأمور الأساسية بسبب النزوح المستعجل».

الطفل الأكبر لمنال ينام على فراش داخل صف مدرسي في المتن بجبل لبنان (الشرق الأوسط)

«انعدام الخصوصية»

تشرح منال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أسترح منذ الولادة، وأشعر بإنهاك، الأم الجديدة في الحالات العادية يجب أن تهتم بنفسها، لكنني أعاني من قلة الخصوصية».

وبالرغم من أن بعض الجمعيات وسكان البلدة تمكّنوا من توفير المياه الدافئة والمستلزمات الشخصية لمنال وطفليها للاستحمام، فإنها تقول: «لا شيء مثل راحة منزلك، وهنا لا توجد أي خصوصية... كل شيء مُتعِب، والوضع النفسي صعب، لا يمكن لأحد أن يفرح وهو نازح، مهما كانت المناسبة».

وتضيف منال: «لا نعرف أي شيء عن وضع منزلنا في الغازية، هناك أخبار متناقلة تتحدث عن تعرّضه لأضرار كبيرة، والخوف الآن على مصيرنا بعد انتهاء الحرب».

300 ألف طفل نازح

قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن هنالك نحو 300 ألف طفل نازح في لبنان، من مناطق مختلفة.

ووصلت أعداد النازحين داخلياً في البلاد إلى أكثر من مليون شخص، تركوا منازلهم وممتلكاتهم وذكرياتهم، ولجأوا إلى أماكن أكثر أماناً لعلها تحميهم من القصف والدمار قدر الإمكان.

مناشدة من «انقذوا الأطفال»

حذّرت منظمة «انقذوا الأطفال» العاملة في لبنان، في بيانات على موقعها الإلكتروني من تزايُد عدد النازحين الأطفال جرّاء الحرب، مع تعرّض الكثيرين منهم لمخاطر على أصعدة مختلفة.

وقالت في أحد البيانات: «الأطفال في جنوب لبنان معرّضون لخطر شديد من فقدان حياتهم، والأذى الجسدي، والضيق العاطفي الشديد في أعقاب التوغل البرّي الذي شنّته القوات الإسرائيلية».

وتابعت: «تدعو منظمة (انقذوا الأطفال) إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ لمنع المزيد من المعاناة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمِن، ومنع تصعيد الصراع في جميع أنحاء المنطقة».

كما أعرب فريق المنظمة في لبنان عن مخاوف متزايدة من التأثير النّفسي لهذا الوضع على الأطفال الذين «يُظهر معظمهم علامات من الحزن الشديد، بسبب النزوح والقصف المتواصلين»، حسب تعبيرهم.