د. سمير فرج
TT

التَّوتر يتصاعد في القرن الأفريقي

استمع إلى المقالة

فجأة وبدون مقدماتٍ أعلنَ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الاعترافَ بجمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) دولةً مستقلةً ذاتَ سيادة، حيث وقَّع رئيسُ الوزراء الإسرائيلي ورئيسُ الجمهورية المعلنة عبد الرحمن محمد عبد الله الإعلانَ المشتركَ بشأن اعتراف إسرائيلَ بـ«صومالي لاند» دولةً مستقلة.

وعلى الفور أعلنت مصرُ والصومال وتركيا وجيبوتي رفضها القاطعَ لاعتماد إسرائيلَ لإقليم صومالي لاند، وشدَّد وزراء الخارجية الأربعة على الدَّعم الكاملِ لوحدة الأراضي الصومالية وسلامتها، والرفض الكامل لأي إجراءات أحادية من شأنها المساس بسيادة الدولة.

على الجانب الآخر، جاء إعلان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عن إدانة المجلس لقرار إسرائيلَ الاعترافَ بما يسمى إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، لأنَّ ذلك يعدُّ تجاوزاً للقانون الدولي ويهدّد الأمن الأفريقي. كذلك أعلنت منظمة التعاون الإسلامي رفضَها لهذا الإجراء الإسرائيلي، وأيضاً أكَّد الاتحاد الأفريقي على وحدة الصومال. كما أعلنَ الأمين العام لجامعة الدول العربية رفضَه لاعتراف إسرائيلَ بإقليم صومالي لاند، فيما جاءَ تعليق وزارة الخارجية السعودية بأنَّ المملكة تؤيّد دعمَها الكامل لسيادة جمهورية الصومال ووحدتها.

أمَّا الولايات المتحدة، فقد صرَّح رئيسها ترمب بأنَّ الولايات المتحدة لن تعترفَ بأرض الصومال (صومالي لاند) دولةً مستقلة، بحسب ما ذكرته صحيفة «نيويورك بوست».

وكانت «صومالي لاند» قد صرَّحت في الفترة السابقة بإمكانية منح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية داخل أراضيها، بالإضافة إلى صفقاتٍ تتعلق بالمعادن الاستراتيجية، مقابل الاعتراف بها دولةً مستقلةً ذات سيادة.

وللتعرف أكثر على إقليم «صومالي لاند»، فهو يقع في منطقة القرن الأفريقي، وقديماً كان الصومال قد أعلن استقلالَه عن بريطانيا عام 1960، وقد اعترف به أكثر من 34 دولة، وهو الآن عضو في الأمم المتحدة. إلا أنَّ الصومال تعرَّض لحرب أهلية قتل فيها ما يقرب من 250 ألف مدني، حيث استولت الحركة الوطنية (SNM) على إقليم صومالي لاند وأعلنت استقلاله عام 1990. وهذا الإقليم مساحته 169 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانه نحو 6.2 مليون نسمة، وعاصمته وأكبر مدنه هي هرجيسا، يضمّ صومالي أهم المواني (بربرة)، وأصبح رئيسه عبد الرحمن محمد عبد الله.

يقع إقليم صومالي لاند في منطقة القرن الأفريقي على خليج عدن، تحده إثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال. وهنا يطرح التساؤل: لماذا أراد نتنياهو تنفيذ ذلك القرار في هذا التوقيت؟ والإجابة عن ذلك أن إسرائيل لم تنسَ يوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، عندما اقتحمت القوات المصرية قناة السويس ومانع خط بارليف. وفي الساعة الثانية والربع ظهراً أعلنت مصر إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، ما أثّر على واردات النفط القادمة من إيران إلى إسرائيل في ذلك الوقت، حيث كانت المسافة من إسرائيل إلى باب المندب أكثر من 2000 كيلومتر، ما منع إسرائيل من التدخل عسكرياً ضد القوات البحرية المصرية التي أغلقت باب المندب.

ولقد عانت إسرائيل كثيراً خلال فترة حرب أكتوبر بسبب هذا التحدي البحري، وحين حدثت مؤخراً مواجهة «حماس» وإسرائيل لمدة عامين، خلالها لعب الحوثيون في اليمن دوراً في التأثير على الملاحة الإسرائيلية في باب المندب. من هنا رأت إسرائيل ضرورة أن يكون لها حضور في منطقة باب المندب (القرن الأفريقي)، وجاءت الفرصة بالاعتراف بصومالي لاند، لتبدأ بعدها إسرائيل بتدعيمها بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، ثم تطلب وجوداً عسكرياً في ميناء بربرة المطل على خليج عدن وباب المندب، لتكون قادرة على التعامل مع الحوثيين في أي اشتباكات محتملة والسيطرة على مدخل قناة السويس من الجنوب.

وتأتي الفكرة الأخرى لدى إسرائيل على أساس تهجير جزء من الفلسطينيين إلى «صومالي لاند»، الذي يمكنه استيعاب نحو مليون ونصف شخص من سكان قطاع غزة.

أما عن توقيت اختيار هذا القرار الآن، فبسبب أن نتنياهو سيدخل الانتخابات بعد أشهر قليلة، ويريد أن يثبت للشارع الإسرائيلي أنه يفكر في أمن إسرائيل وأمانها عبر وجودها العسكري في القرن الأفريقي، كما يسعى لإشغال الرأي العام العالمي عن تأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق السلام الذي تم توقيعه في شرم الشيخ، خصوصاً بعد تسليم «حماس» 20 رهينة وباقي الجثامين، عدا جثماناً واحداً.

ويعدّ هذا الإجراء الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، خاصة إذا تم بناء أي قواعد عسكرية في صومالي لاند، مع العلم أن جيبوتي، جارته، لديها بالفعل خمس قواعد عسكرية للولايات المتحدة والصين واليابان وإيطاليا وفرنسا. وهذه القواعد كافية لتأمين منطقة باب المندب ومنطقة القرن الأفريقي، أحد أهم الممرات الاقتصادية في العالم.

ومن المتوقع أن تقوم مصر، بالتعاون مع دول المنطقة، الصومال وجيبوتي والمملكة العربية السعودية وتركيا ودول الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بحملة سياسية لإيقاف هذا التصرف الإسرائيلي الأحادي، تمهيداً لعرض الموضوع على مجلس الأمن لاتخاذ قرار يمنع تنفيذ أي إجراء يهدد الأمن القومي في القرن الأفريقي، خاصة أمن وسلامة الطرق البحرية الحيوية مثل قناة السويس في إطار حماية مصالح دول المنطقة والعالم، والحفاظ على استقرار ممرات التجارة الدولية.