د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

وهمُ التفوق الدائم

استمع إلى المقالة

من كان يصدق أن عالم الفيزياء الروسي أندريه غييم الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2025، هو الذي ضحك على بحثه الجمهور في النسخة الساخرة من جائزة «إيغ نوبل» التي نظمتها جامعة هارفارد للبحوث «الغريبة والطريفة». وتهدف إلى دفع الناس للضحك ثم التفكر ملياً. فأندريه غييم قبل أن يكتشف خصائص «الغرافين» المادة الأعجوبة الأصلب في العالم، رغم كونها أرفع من شعرة الإنسان بملايين المرات، كان قد قدم بحثاً نجح في جعل الضفدع يطير في الهواء باستخدام مغناطيسية الماء في تجربة بدت عبثية.

تخيل لو أن أندريه استسلم أو أُحبط بعد نوبة الضحك التي اجتاحت مسرح هارفارد حيث أقيم حفل جائزة «نوبل الساخرة»، وبُث عبر الإنترنت، لكانت تلك السخرية وأدت موهبة استحقت نيل نوبل الأصلية بجدارة.

هذه المفارقة تؤكد أن التفوق لا يدوم، وأن دروب النجاحات والإخفاقات لا تنتهي... لأنها سُنَّة الحياة. فالسقوط ليس نهاية المطاف، لأنه يعلمنا النهوض من جديد، والحرمان من «ديمومة التفوق» يحمي المرء من تضخم الأنا وآفة الإعجاب بنفسه.حادثة السخرية كانت دافعاً لعالم الفيزياء إلى اكتشاف خصائص أقوى مادة صلبة لا ترى بالعين المجردة. وكذلك حدث مع سخرية الإنجليز في رسوماتهم الكاريكاتيرية من قِصر قامة الزعيم الفرنسي نابليون، حتى تحولت معاناته إلى مصطلح «عقدة نابليون» التي تصف كيف يتفوق المرء على نفسه.

وكانت سخرية الناس من إصرار عباس بن فرناس والأخوين رايت على الطيران دافعاً وراء الرحلة الناجحة الأولى التي غيرت تاريخ البشرية، وتهكم بعض العلماء على نظريات آينشتاين وراء تثبيت أركان الفيزياء الحديثة، واستهزاء منتجي الأفلام من والت ديزني خلف إمبراطورية الترفيه العالمية التي زارها أكثر من نصف مليار إنسان. وهكذا، أشعلت السخرية فتيل العبقرية بدلاً من أن تطفئ جذوتها.

نحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم الإخفاق، بدءاً من مدارسنا وبيوتنا. فالوهم بأن التفوق أو المعدل الدراسي المرتفع هو معيار النجاح في الحياة، فكرة لا وجود لها في الواقع. فالحياة لا تسير على وتيرةٍ واحدة.

لماذا لا يُسمح للطالب بأن يرسب في مادة أو اثنتين من دون أن يؤثر ذلك على معدله الدراسي؟ لتكون رسالة مبكرة أنه لا ضير في الإخفاق وأنه مقبول ومتوقع في رحلة الحياة. الفشل ليس وصمة عار ولا مادة تستدعي السخرية. أكبر النجاحات يقف خلفها إخفاقات صغيرة، شكلت ما يستحق أن يُشار إليه ببنان الإعجاب.