تغطّي المياه 71 في المائة من سطح الكرة الأرضية، وتمثل المحيطات معظم هذه المياه (96.5 في المائة تقريباً) من إجمالي المياه. معظم الماء الموجود في باطن الأرض هو ماء صالح ويشكّل 97 في المائة، في حين أن نحو 3 في المائة فقط من الموارد المائية هي مياه عذبة، وأكثر من ثلثَي موارد المياه العذبة يوجد بشكل متجمّد في القمم والأنهار الجليدية وفي الأغطية الجليدية القطبية، في حين باقي موارد المياه العذبة غير المتجمّدة يوجد في المياه الجوفية التي توفّر 30 في المائة من تدفّق المياه السطحية على شكل بحيرات وأنهار وجداول على سطح الأرض، أو على شكل بخار ماء بنسبة ضئيلة جداً تصل إلى أقل من 1 في المائة أحياناً.
تعود المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض إلى ملايين السنين، وتشكّل جزءاً من نظام المياه في الأرض. وعرفتها الحضارات القديمة (الفراعنة والأشوريون والفنيقيون...)، حتى أتى الاستغلال التقني الحديث الذي بدأ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع التقدم الصناعي في حفر الآبار. وفي مطلع القرن الحالي ومع التطوّر الكبير في أدوات الحفر، أخذ الإنسان يعتمد على المياه الجوفية في حياته اليومية بشكل ملحوظ، خاصة مع التزايد السكاني الذي أخذ طريقه في جميع أنحاء العالم، في شتى المجالات (الزراعية والصناعية والتعدين وإنتاج الطاقة والشرب وغيرها)؛ ما يجعلها ذات قيمة اقتصادية رئيسية، وترتبط بشكل وثيق بالأمن الغذائي والنمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ تساهم في خلق وتوفير وظائف وتحسين إنتاجية وتخفيف البطالة وإشباع رغبات الناس. في المقابل، فإن ندرة المياه تؤدي إلى خسائر كبيرة وكثيرة.
وفي السياق، فإن لإدارة الموارد المائية أهمية أساسية للتنمية الاقتصادية المستدامة. لكن هذه الموارد تتعرض لضغوطات لم يسبق لها مثيل؛ إذ إنه مع التزايد السكاني وازدياد الطلب على المياه من قِبل القطاعات الاقتصادية المنافسة، يتضاءل العرض من المياه لتلبية حاجات الناس والحفاظ على التدفقات البيئية التي تحفظ سلامة الأنظمة الإيكولوجية البرية والبحرية. لهذا، فإن الموارد المائية الجوفية تتعرّض للاستنزاف في أماكن كثيرة، مما يجعل الأجيال الحالية والأجيال القادمة في حالة من الافتقار إلى أيّ وقاية من تقلبات المناخ المتزايدة التي تؤدي إلى فيضانات وسيول وعواصف وجفاف... إذ إن 90 في المائة من الكوارث الطبيعية مرتبطة بالمياه؛ لذا يتعيّن على المسؤولين وواضعي السياسات العمل فوراً على رفع مستوى الوعي والإدراك بأهمية هذا المورد الحيوي وحُسن إدارته، ووضع سياسات حكيمة وإتمام تطبيقها.
تشهد مياه البحر الأبيض المتوسط ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة؛ إذ سجلت في يوليو (تموز) عام 2025 متوسطاً بلغ 26.9 درجة مئوية، وهو الأعلى منذ بدء القياسات، وفق بيانات «مقياس كوبرنيكوس» لتغيّر المناخ. وفي بعض المناطق مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وصلت الحرارة إلى أعلى من 28 درجة مئوية؛ ما حوّل البحر المتوسط إلى «حوض ساخن». ويُعدّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين الأكثر تضرراً، حيث يعاني 83 في المائة من سكانهما من ضغط مائي مرتفع. لهذا تتّجه الدول إلى اتخاذ إجراءات ملحّة لمواجهة الجفاف ونقص المياه بسبب التغيّر المناخي الذي يساهم في تفاقم مشكلة الجفاف ونقصان المياه الجوفية، مما يؤثر على أنظمة الأرض ودورة المياه.
على سبيل المثال: تُبنى استراتيجيات شاملة تتضمن تقنيات في توفير المياه في الزراعة (مثل الري بالتنقيط والزراعة المائية والاستثمار في البنية التحتية لنقل وتخزين المياه)، وفي المدن إطلاق حملات مستمرة لتوعية السكان بأهمية الحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها وتقليل هدر المياه في المنازل، بالإضافة إلى ابتكارات تكنولوجية، واستخدام مصادر مياه برية، واعتماد تقنيات زراعية مستدامة، والاستقرار لمواجهة الأزمات بشكل استباقي... وكثير غيرها.
عوامل كثيرة تؤثر سلباً على المياه الجوفية، منها الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة سطح الأرض والغلاف الجوي، إلى امتصاص الحرارة من التربة والمياه الجوفية وتَغيُّر أنماط الطقس وهطول الأمطار؛ ما يُقلّل من إعادة تغذية الخزانات الجوفية وزيادة التبخّر، ويقلّل من كمّية المياه المتاحة للتسرّب إلى جوف الأرض، ليصل إلى تفاقم الجفاف وانخفاض نسب المياه الجوفية، بالإضافة إلى تركيز المعادن الثقيلة في المياه الجوفية والتأثير على جودتها.
لا تزال المياه الجوفية مورداً استراتيجياً مهماً في العديد من البلدان، بخاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه السطحية وهطول الأمطار. لكن لسوء الحظ، الموارد محدودة وبعضها غير متجدّد. وبحسب النظرية الاقتصادية، لا تكتسب المياه قيمة اقتصادية إلا عندما يكون عرضها أقل من الطلب عليها؛ فكلما توفّرت المياه بكميات غير محدودة كانت مجانيّة اقتصادياً، لهذا تكتسب المياه الشحيحة قيمة اقتصادية؛ نظراً لتنافس العديد من المستهلكين على استخدامها. ويأتي السؤال: هل لدى المواطنين الوعي الكامل لتقنين وترشيد استهلاك المياه الجوفية؟!
