فريد كابلان
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

جيمي كارتر... إخفاقات ونجاحات

استمع إلى المقالة

غادر جيمي كارتر منصبه عام 1981 بوصفه أحد الرؤساء الأقل شعبية في العصر الحديث، فقد انهزم ولم يعد انتخابه، ليكون مصيره على ما يبدو أن تذكره الأجيال التالية قائداً أعلى فاشلاً للقوات المسلحة لم يحقق الكثير طوال سنوات فترته الرئاسية الأربعة.

قال كلارك كليفورد، مستشار الرؤساء لمدة طويلة، وأحد من يُطلق عليهم حكماء العاصمة، في ذلك الوقت: «سوف يعامله التاريخ بطريقة أرق من التي عامله بها الشعب الأميركي في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)». مع ذلك بعد تخفيف النبرة، عاد ليتبنى نبرة لاذعة، ويضيف قائلاً: «مع ذلك، لم تتسم رئاسته بأي تغيير أو تحول بارز. لم يكن هناك شيء مميز حقاً».

بحلول وقت وفاة كارتر بعد مرور أكثر من أربعين عاماً، بدا الجزء الأول من حكم ورأي كليفورد جلياً بدرجة أكبر، ففي حين أن رئاسته لم تشهد أي تحول بارز، يتعامل كثير من المؤرخين معها الآن بشكل ألطف. ولم يكن ما فعله فقط خلال فترته الرئاسية ما دفع نحو عملية إعادة تقييم، بل ما فعله بعد مغادرته منصبه. ولا يزال الجمهوريون ينظرون إلى كارتر باعتباره رمز الفشل، ولا يزال يمثل موضع هجوم ضد الديمقراطيين أمثال الرئيس جو بايدن.

قال كاي بيرد، مؤلف كتاب «ذا أوتلاير» (القيمة المتطرفة)، والذي يلقي نظرة جديدة على رئاسة كارتر، ونشر عام 2021: «سيرى الكثيرون أن حياته بعد الرئاسة كانت أكثر إثارة للإعجاب وزاخرة بالأعمال الجيدة، لكنهم سرعان ما سيرددون بأن رئاسته كانت سمتها الفشل. لن يتَّفق المؤرخون خلال السنوات القليلة الماضية على هذا، فرئاسته كانت فعلياً محورية إلى حد كبير».

اضطلع كارتر بدور الوساطة في جهود السلام بـ«كامب ديفيد» بين إسرائيل ومصر، وأقام علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين، وحصل على المصادقة على معاهدة تسليم سلطة قناة بنما إلى بنما. كما حاول نقل البلاد بعيداً عن صدمات العقد السابق، والتماس الأعذار للمتهربين من التجنيد في حرب فيتنام، والشروع في إصلاحات ما بعد فضيحة «ووترغيت».

وبطبيعة الحال، لا يطغى أي من هذا على الإخفاقات خلال فترته الرئاسية، وأبرزها الارتباك الاقتصادي، وصفوف الانتظار الطويلة داخل محطات الوقود، وما سمي الوعكة التي شخصها في المجتمع الأميركي، أو أزمة الرهائن الإيرانية التي هيمنت على آخر 444 يوماً من فترته الرئاسية.

في خضم عملية إعادة التقييم هذه، وخلال استطلاع رأي «يوغاف» عام 2021، تبنى 45 في المائة من الأميركيين رأياً إيجابياً عن كارتر، في مقابل 32 في المائة تبنوا نظرة سلبية تجاهه. لقد وضعوه في وسط الرؤساء بالفترات الحديثة، أي بعد بايدن (47 في المائة تبنوا رأياً إيجابياً)، وتعادل مع بيل كلينتون، وتفوق بفارق بسيط على جورج بوش الأب (44 في المائة)، وجورج بوش الابن (43 في المائة).

بطبيعة الحال، فإن المراجعة التاريخية التي تتضمن رؤساء سابقين أمر شائع. على سبيل المثال، كثيراً ما جرى النظر إلى دوايت آيزنهاور، باعتباره رئيساً ضعيفاً وكسولاً، إلى أن تناول كتاب «ذا هيدين هاند بريزدينسي» (رئاسة اليد المخفية)، لفريد غرينشتاين الذي صوَّره لاعباً أكثر مهارة يحرك الخيوط من وراء الستار. وبالمثل غادر هاري ترومان منصبه من دون أي يحظى بأي شعبية إلى أن رد اعتباره كتاب السيرة الذي ألفه ديفيد ماكلو، عام 1992. كما أعاد رون تشيرنو صياغة طريقة النظر إلى يوليسيس غرانت بفضل السيرة التي كتبها عام 2017.

وعلى العكس من ذلك، فقد رؤساء أميركيون، كانوا يوماً بارزين وأيقونيين، بريقهم خلال السنوات القليلة الماضية. مثلاً، فقد كل من توماس جيفرسون وأندرو جاكسون، العملاقان المبجلان في الحزب الديمقراطي، الحظوة والمجد مع توجيه الانتباه بدرجة أكبر نحو وضعهما ملاكاً للرق. وتنامت صورة وودرو ويلسون، بطل المثاليين التقدميين لفترة طويلة، بصفته داعماً للفصل العنصري وقمع المعارضة، كما جاء في كتاب «أميركان ميدنايت» (منتصف الليل الأميركي) لآدم هوشسشيلد عام 2022.

وكثيراً ما تكون الجنازات وقت صقل الأجزاء القاسية من الإرث الرئاسي. على سبيل المثال، عند وفاة جيرالد فورد عام 2006، بدل كثير من المنتقدين آراءهم بشأنه، واتفقوا على أنه كان محقاً في النهاية، عندما التمس العذر لريتشارد نيكسون وصفح عنه لنقل البلاد لما بعد فضيحة «ووترغيت». وعندما تُوفي بوش الأب، وصفه الكثيرون بأنه ربما يكون الرئيس ذا الفترة الرئاسية الواحدة الأكثر نجاحاً لقيادته البلاد خلال نهاية الحرب الباردة.

وربما يكون الرئيس الذي يتضمن أكبر قدر من المفاجأة هو نيكسون، الذي قضى عشرين عاماً بعد عزله من منصبه في العمل على استعادة إرثه بسلسلة من الكتب عن السياسة الخارجية، مذكراً العالم بإنجازاته الدبلوماسية. وعندما تُوفي عام 1994، لم يصفح عنه خلال جنازته سوى كلينتون، الديمقراطي الذي عملت زوجته في لجنة مجلس النواب التي حققت في فضيحة «ووترغيت».

لقد كان لدى كارتر، الذي تُوفي بعدما بلغ المائة من العمر، وقت لإعادة تشكيل الإدراك والوعي العام الشعبي أكثر من أي من أسلافه في الرئاسة، فقد عاش لمدة أطول من كل الرؤساء السابقين في التاريخ الأميركي. وركز عمله بعد خروجه من الرئاسة على مجالات حقوق الإنسان، وحل النزاعات، ومراقبة الانتخابات، والسيطرة على الأمراض، إلى جانب المنازل التي شيدها من أجل مؤسسة «هابيتات فور هيومانتي»، على نحو أثار إعجاب الأميركيين.

ووفقاً لكاي بيرد، ينظر المؤرخون إليه باعتباره أكثر السياسيين الذين دخلوا البيت الأبيض احتراماً منذ عقود، وبالتأكيد أذكى رئيس وأكثرهم جداً واجتهاداً خلال القرن العشرين. مع ذلك ربما يشكل هذا مجرد الحد الأدنى للإنجاز.

* خدمة «نيويورك تايمز»