في السنوات الأخيرة، غدا تبنّي الشركات وجهات نظر سياسية أمراً معتاداً، وبدأ بعضها اتخاذ مواقف علنية حول قضايا تتجاوز مصالحها التجارية التقليدية، مثل معارضة سياسات الهجرة، كما فعلت «مايكروسوفت» ضد إدارة ترمب، أو الحديث المتطرف عن التغير المناخي مثل كثير من الشركات في أوروبا، ودخل بعضها صراعات سياسية واجتماعية، فعلى سبيل المثال، استخدم كريستيان سيفينغ، الرئيس التنفيذي لبنك «دويتشه»، منصة عامة للتحدث عن مخاطر التطرف اليميني، مشيراً إلى أن هذه المخاطر تشكل تهديدات كبيرة للاقتصاد الألماني وسوق العمل، وبالمثل اتخذت «ديزني» موقفاً علنياً مؤيداً للمثلية الجنسية. وتوضح هذه الأمثلة أن قادة الشركات يشاركون بشكل متزايد في القضايا السياسية والاجتماعية، ولكن لماذا تتبنى الشركات وجهات النظر هذه؟
هناك عدة دوافع للشركات لتبني مواقف سياسية واجتماعية، قد يكون بعضها مدفوعاً بالمصالح التجارية، وبعضها الآخر مدفوعاً بحب مديريها للظهور الاجتماعي. بدايةً، يُتوقع بشكل متزايد من الشركات أن تسهم بشكل إيجابي في المجتمع، حيث يرى الكثير من أصحاب المصالح أن قادة الأعمال هم رعاة التغيير الاجتماعي، فوفقاً لمؤشر «إيدلمان للثقة» لعام 2024، يتوقع 62 في المائة من الناس أن يتعامل الرؤساء التنفيذيون مع القضايا المجتمعية، وليس فقط القضايا المتعلقة بالشركات، هذه التوقعات من الرأي العام أشعرت بعض الشركات بمسؤولية أخلاقية -بصفتها تمثل فئة المواطنين المؤسسين- للتحدث عن القضايا التي تؤثر في مجتمعاتها وأصحاب المصالح.
وفي بعض الأحيان، تتبنى الشركات وجهات نظر سياسية بوصفها وسيلةً لحماية مصالحها التجارية من التهديدات السياسية أو التنظيمية. على سبيل المثال، لم يكن موقف سيفينغ تجاه التطرف اليميني مجرد مسألة أخلاقية، بل اقتصادية أيضاً، فالتطرف اليميني في ألمانيا، بسياساته التي تستهدف الهجرة واللوائح البيئية، قد يهدد القوى العاملة الماهرة والبيئة الاقتصادية المستقرة التي يعتمد عليها نجاح بنك «دويتشه»، وبالتالي فإن اتخاذ موقف سياسي هو، في بعض الحالات، وسيلة لضمان استمرارية الشركة على المدى الطويل في بيئة ديمقراطية مستقرة.
وعندما تتعارض القضايا السياسية مع القيم الأساسية للشركة أو تؤثر في موظفيها، قد يشعر القادة بضرورة اتخاذ موقف لدعم تلك القيم. هذا التوافق يمكن أن يعزز الروح المعنوية داخل الشركة ويُحسِّن سمعتها خارجها، مما يجذب العملاء والمواهب الذين يشاركونها نفس القيم، وبالنسبة للكثير من الشركات، يمكن أن يسهم اتخاذ موقف بشأن القضايا الاجتماعية في تحسين سمعتها، بما يتناغم مع المستهلكين والمستثمرين التقدميين، ويرى بعض المديرين أن المواقف العامة بشأن القضايا الشعبية يمكن أن تبني ولاءً للعلامة التجارية وتعزز صورة الشركة بصفتها جهة واعيةً اجتماعياً، معتقدين أن المستهلكين يختارون العلامات التجارية التي تتوافق مع قيمهم، وأن بعضهم يترك الشركات التي لا تتبنى بعض المبادئ، ولذلك يستخدم كثير من الشركات هذه الظاهرة لصالحها عن طريق دعم القضايا التي تؤيدها قاعدة عملائها.
كذلك، يمكن أن يكون الانخراط في القضايا السياسية بمثابة استراتيجية لإدارة المخاطر، خصوصاً في الصناعات التي قد تؤثر فيها السياسات على العمليات، على سبيل المثال، تعتمد الشركات التي تعتمد بشكل كبير على المواهب العالمية -مثل شركات التقنية- على دعم إصلاح الهجرة لتأمين الوصول إلى العمالة الماهرة، وتتيح المواقف السياسية من هذا النوع للشركات معالجة المخاطر التنظيمية التي قد تؤثر في عملياتها، يمكن أن يكون اتخاذ موقف في بعض الأحيان وسيلة استباقية، مما يمنح الشركات صوتاً في المناقشات السياسية التي تؤثر في صناعتها.
وفي بعض الحالات، تواجه الشركات ضغطاً لاتخاذ موقف لتجنب الاتهامات بالنفاق، خصوصاً عندما تتعارض قيمها المعلنة مع أفعالها أو عدم اتخاذها موقفاً، على سبيل المثال، قد تشعر الشركة التي تلتزم علناً الاستدامة بضرورة معارضة التراجعات البيئية لتجنب الانتقادات وللحفاظ على هوية علامتها التجارية، ويمكن أن يؤدي السلوك غير المتسق أو الصمت تجاه القضايا المهمة إلى رد فعل عكسي من أصحاب المصالح، مما يجعل اتخاذ المواقف العلنية وسيلة لمواءمة الأفعال مع الخطاب المؤسسي.
إن دوافع تبني الشركات الآراء السياسية غالباً ما تكون معقدة، حيث توازن بين القيم الداخلية وتوقعات أصحاب المصالح والمصالح الاستراتيجية، ومع ذلك فإن هذه الممارسة تثير تساؤلات حول كيفية إدارة الشركات التي تنخرط في النشاط السياسي، خصوصاً لضمان أن هذه الأعمال تخدم مصلحة المساهمين، ولحماية قيمة الأسهم يمكن لمجالس الإدارة تطوير سياسات أكثر وضوحاً تتماشى فيها المواقف السياسية للشركة مع الأهداف الاقتصادية طويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تضمن الإفصاحات الشفافة بشأن الإسهامات السياسية والمواقف الاجتماعية، مما يساعد المساهمين على فهم اتخاذ هذه المواقف.