بندر بن عبد الرحمن بن معمر
كاتب وباحث سعودي مهتم بالتاريخ، له مؤلفات مطبوعة ومقالات وبحوث منشورة. وهو أيضًا رجل أعمال وعضو مجلس إدارة عدد من الشركات، ومستشار لعدة جهات وهيئات.
TT

تاريخ اليوم الوطني السعودي بين اللبس والتصحيح

استمع إلى المقالة

منذ سنوات وهناك تساؤل حول صحة عدد أعوام اليوم الوطني السعودي المُعلَنة، فهذا العام مثلاً يصادف الذكرى الرابعة والتسعين، والبعض يسأل كيف يكون ذلك وأول يوم وطني (إعلان توحيد البلاد) كان عام 1932م؟ وبالتالي يُفترض أن يصادف هذا العام الذكرى الثانية والتسعين، وليس الرابعة والتسعين؟ أي أن هناك خطأً في الحساب، وهناك من يحاول أن يبرِّر ذلك بأن الحساب يكون بالتاريخ الهجري، وهذا خطأ آخر، وسأجيب عن ذلك بالتفصيل، لكن قبل الإجابة لا بد أن أؤكد أن هذا التساؤل مبرَّر ومفهوم، لكن غير المفهوم هو ما تنشره منصات إعلامية ويتردَّد في أخبارها ومقالات كُتّابها بمثل هذا النص: «في مثل هذا اليوم، قبل 94 عاماً، أعلن الملك عبد العزيز توحيد البلاد لتكون المملكة العربية السعودية»، فهنا يكون لدينا جهل بالحساب والتاريخ معاً!

وبتتبُّع الوثائق والمصادر (الرسمية) فيما يتعلق بالأيام الوطنية السعودية يجد الباحث أن أول يوم وطني اعتُمد واحتُفل به في عهد الملك عبد العزيز كان يوم 8 يناير (كانون الثاني) 1930م، وذلك وفقاً لنص الأمر الذي أصدره نائب الملك في الحجاز بتاريخ 1 جمادى الآخرة 1348هـ - 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1929م، ونشرته الجريدة الرسمية متضمناً الآتي:

«المادة الأولى: يعتبر اليوم الذي يوافق اليوم السابع عشر من برج الجدي من كل سنة (8 يناير) عيداً وطنياً تُعِيده البلاد لإحياء (ذكرى) الجلوس الملكي.

المادة الثانية: تعطَّل دوائر الحكومة الرسمية في ذلك اليوم، وتجري فيه مراسيم المعايدة، وتطلق المدافع 21 طلقة.

المادة الثالثة: يصادف العيد الأول لعامنا الحالي في اليوم الثامن من شعبان سنة 1348 (8 يناير 1930م)».

ويلاحَظ هنا استخدام كلمة (العيد الوطني) بهذا اللفظ، أو (اليوم الوطني)، وتكراره في البيانات والأخبار الرسمية، واستمر الاحتفال بذلك اليوم وفق المراسم البروتوكولية للأيام الوطنية لمدة 23 عاماً في عهد الملك عبد العزيز منذ عام 1930م، وحتى عام 1953م (1348هـ وحتى 1372هـ)، وذلك اليوم هو يوم مبايعة الملك المؤسِّس ملكاً على الحجاز، وكان يُعرف بـ(عيد الجلوس)، أو (ذكرى الجلوس)، وبعد وفاة الملك عبد العزيز اختِير يوم 21 العقرب، الموافق 12 نوفمبر يوماً لجلوس الملك سعود، وأصبح هذا التاريخ هو اليوم الوطني الذي احتفل به لمدة 10 أعوام، من 1954م إلى 1963م (1374 إلى 1383هـ).

وعند تولِّي الملك فيصل مقاليد الحكم رأى أن تحديد اليوم الوطني بذكرى جلوس الملك يجعله يوماً غير ثابت، حيث يتغيَّر مع تَولِّي كل ملك للحكم، فعرض على مجلس الوزراء بضرورة جعْل يوم وطني محدَّد وثابت التوقيت في كل عام، فتقرَّر اختيار يوم إعلان توحيد المملكة العربية السعودية، الموافق لليوم الأول من الميزان (مطلع السنة الهجرية الشمسية)، وهو يوم 23 سبتمبر (أيلول) من السنة الميلادية، وصدر قرار من مجلس الوزراء بذلك، وتُوِّج بالمرسوم الملكي رقم (م/9)، وتاريخ 24 ربيع الآخر 1385هـ، الموافق 21 أغسطس (آب) 1965م، بأن يكون يوم 23 سبتمبر هو اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.

ويتَّضح من ديباجة قرار مجلس الوزراء، المتوَّج بالمرسوم الملكي، بشأن تحديد تاريخ 23 سبتمبر ليكون تاريخاً ثابتاً لليوم الوطني هو استمرار للأيام الوطنية التي سبقت ذلك المرسوم، وعلى الرغم من اعتماد تاريخ (إعلان توحيد البلاد) ليكون هو اليوم الوطني المحدَّد للمملكة العربية السعودية منذ عام 1965م، فإن ذلك لا يلغي الأيام الوطنية التي سبقت ذلك التاريخ، أي بين عامَي 1930 و 1965م؛ حيث لم ينص المرسوم على أن يتم اعتبار بدء التأريخ لليوم الوطني من تاريخ صدور المرسوم عام 1965م، أو حتى من تاريخ إعلان توحيد البلاد عام 1932م؛ لذا تكون العبرة بأول يوم وطني اعتُمد واحتُفل به في 8 يناير 1930م.

ومما سبق يتَّضح أن اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية تنقَّل تاريخه 3 مرات، بين 8 يناير، و12 نوفمبر، واستقر في 23 سبتمبر، وكان أول احتفال به في عام 1930م، قبل إعلان توحيد البلاد، وبذلك يكون مرَّ 94 عاماً على أول يوم وطني، ويكون الاحتفال هذا العام بالذكرى الرابعة والتسعين لأول يوم وطني في عهد الملك عبد العزيز، مع ملاحظة أن هناك أعواماً لم يتم فيها الاحتفال باليوم الوطني؛ لذا لا بد من التنبه إلى دقة العبارة، فلا يقال: «الاحتفال باليوم الوطني 94»، مثلاً؛ لأن ذلك غير دقيق، ولكن يقال: «الاحتفال بذكرى اليوم الوطني الرابعة والتسعين»، وهذا قد يوضح اللبس الذي يُتداوَل كل عام حول صحة عدد أعوام اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.