إريك كلينبرغ
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

أميركا... «كوفيد» يعود والانتخابات على الأبواب

استمع إلى المقالة

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«كوفيد – 19» مجدداً مؤخراً. ومرة أخرى، أعلنت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها عن عدد وفيات شهري يقدر بالآلاف. وعادت توصيات ارتداء الكمامات إلى المرافق الطبية العامة ودور رعاية المسنين في مدينة نيويورك. لقد بدأ السباق الرئاسي على قدم وساق، وكما كانت الحال عام 2020، تبدو المخاطر وجودية. كل هذا يجعلني أشعر وكأنني أعيد النظر في ماضٍ لم أغادره في الواقع.

لست الوحيد الذي يُصارع هذا الشعور. ومن نواحٍ أخرى، يبدو عام 2020 وكأنه حياة أخرى. انتهى الوباء، واستمررنا في حياتنا. ومع ذلك، يقول الناس بهامش كبير إنهم لا يزالون يشعرون بالعزلة، والضعف الكبير، وانعدام الأمن. لقد أصبح من الواضح الآن فقط مدى ضآلة فهم الأميركيين لما عاشته الولايات المتحدة خلال تلك السنة التي لا تُنسى، ومدى ما تُمثله لهم.

لقد بدأت أفكر في حالتنا الراهنة بوصفها نوعاً من مرض «كوفيد – 19» الطويل الأمد، وهو مرض اجتماعي أدى إلى تفاقم مجموعة من المشكلات المزمنة، وغرس الاعتقاد بأن المؤسسات التي تعلمنا الاعتماد عليها لا تستحق ثقتنا. والنتيجة هي أزمة دائمة في الحياة المدنية الأميركية. انظروا فقط إلى الدورة الانتخابية التي يوشك الأميركيون على السقوط فيها: يبدو أن العالم انقلب رأساً على عقب مرات عدة، ومع ذلك فإننا نواجه هنا احتمال منافسة أخرى بين جو بايدن ودونالد ترمب، وكأن البلاد لم تتحرك قيد أنملة. كل شيء تغير، ومع ذلك لم يتغير شيء تقريباً على الإطلاق.

عندما ضرب «كوفيد – 19» مدينة نيويورك، احتاجت حكومة الولاية نفسها التي استغرقت سنوات لإصدار رخصة لبيع المشروبات إلى أيام فقط لمطالبة حانة «ماك»، التي افتُتحت حديثاً، بوقف عملياتها. السيد بريستي تفهم التهديد وقبل القرار. وما لم يتوقعه هو أن تظل الحانة مغلقة أو مقيدة، على نحو متقطع، لأكثر من عام. ولم تقدم حكومة الولاية سوى الدعم المالي الضئيل للغاية فقط لأن عمله كان جديداً.

كان أداء هذا البلد أسوأ بكثير خلال جائحة «كوفيد – 19» مقارنة بما كانت عليه الدول المماثلة. وقد زاد انعدام الثقة والانقسام والقيادة غير المنظمة من حجم نتائجنا الصحية السلبية. أما عن المحنة المستمرة التي نواجهها، فإن التفسير القياسي لهذه المحنة هو العُزلة الأميركية الفريدة. إذ أعلن الجراح العام، فيفيك مورثي، أنه وباء في حد ذاته.

لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد دليل جيد على أن الأميركيين يشعرون بالعزلة أكثر من أي وقت مضى. بالطبع، تغيرت أنماطنا الاجتماعية. ومع ذلك، أظهر استطلاع كبير للرأي أُجري مؤخراً أن كبار السن من الأميركيين أصبحوا الآن أقل شعوراً بالعزلة مما كانوا عليه قبل 3 سنوات؛ حيث ذكرت دراسة حديثة روجعت من قبل الأقران أن الأميركيين في منتصف العمر يصفون أنفسهم بأنهم أقل عزلة مما كانوا عليه قبل 20 عاماً. والعزلة أكثر انتشاراً بين الأميركيين الشباب، ولكن هناك أيضاً، انخفضت المعدلات منذ عام 2020. من المنطقي أن نشعر بتحسن. فلماذا لا نستطيع أن نشعر بذلك؟

لأن العزلة لم تكن قط المشكلة الأساسية، بل كان هناك إحساس سائد بين العديد من الأشخاص المختلفين بأنهم قد تُركوا ليمروا عبر الأزمة بمفردهم. كيف يمكن تحقيق التوازن بين جميع المطالب المتنافسة للصحة والمال والعقل؟ من أين تحصل على الاختبارات، والكمامات، والأدوية؟ كيف تذهب إلى العمل - أو حتى تعمل من المنزل - عندما لا يستطيع أطفالك الذهاب إلى المدرسة؟

الإجابة كانت دائماً نفسها: اكتشف ذلك بنفسك. وقد ساعدت شيكات الحوافز وقروض الشركات الصغيرة بالفعل. ولكن في حين أقامت دول أخرى الثقة والتضامن - خلال عام 2020 وبعده - تركت أميركا الملايين ليدبروا أمورهم بأنفسهم.

الآن، تشعر إدارة بايدن بالحيرة بسبب عدم شعور الأميركيين بالتفاؤل أكثر رغم كل الأخبار الاقتصادية الجيدة، وتشعر بعض الجماعات المحافظة بالإحباط لأن الناخبين الجمهوريين ما زالوا موالين لمرشح متهم بارتكاب 91 جريمة جنائية. ويرفض الناخبون التصرف بالطريقة التي يقول لهم بها البعض إنها قد تكون عقلانية. ولكن أوجه التفاوت التي كشف عنها الوباء قد تعمقت مع مرور الوقت. وبالنسبة للملايين من الأميركيين، فإن انعدام الثقة يبدو أشبه بالحالة الأكثر عقلانية.

على مدى السنوات الأربع الماضية، تمكنت من التعرف إلى سكان نيويورك من كل حي يشعرون بأن مؤسساتنا الأساسية تخلت عنهم عندما كانوا بحاجة إلى دعم ثابت: المساعدة السياسية من برونكس لم تكن تثق باللقاحات التي كانت تروج لها؛ ومعلمة ابتدائية من الحي الصيني في مانهاتن كان يُنظر إلى طلابها بعين الشك من قبل أشخاص يخشون الإنفلونزا الآسيوية؛ والسيد بريستي، الذي قضى شهوراً في البحث عن المساعدة أو عن إجابات في حين أن حياته العملية وأحلامه للمستقبل قد انهارت تماماً. في وقت لاحق أبقى هو وشريكه محلهما مفتوحاً بعد الساعة العاشرة مساءً من حظر التجول الذي فرضته المدينة. وبعد فترة وجيزة، أعلنا عن مشروعهما التجاري بوصفه «منطقة مستقلة». ثم ذهب إلى «فوكس نيوز» ليعبر عن إحباطه من الحكومة الكبيرة التي تقهر الشباب الصغار، ويُجبرون على التضحية بأرزاقهم. فقد ضاق ذرعاً بالمؤسسات التي لن تساعده، وأصبح غير واثق بالسلطات العلمية، ونفد صبره على زملائه المواطنين الذين بدا عليهم الضعف لدرجة أنهم لا يستطيعون مساءلة من هم في السلطة. في مرحلة ما، بدا السيد بريستي يطلق على نفسه اسم «مقاتل لأجل الحرية».

الأشخاص المختلفون للغاية الذين تحدثت معهم في ذلك العام كان يجمعهم شيء واحد مشترك: شعور بأنه في أعقاب تفشي «كوفيد»، جميع المؤسسات الكبيرة التي تعلموا الثقة بها قد خذلتهم. وفي أخطر الأوقات في حياتهم، وجدوا أنه لا يوجد نظام للمساعدة. وبعد ما يقرب من 4 سنوات (أي 2024)، أصبح الوضع أسوأ من ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»