جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

حربُ نتنياهو

شهر ديسمبر (كانون الأول) 2023 يعلّم لمرور الذكرى الأولى على وصول الائتلاف اليميني المتشدد في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو وحزب «الليكود» إلى الحكم. كل التكهنات والتحليلات السياسية، في وسائل الإعلام، برهنت على صحّتها. أغلبها راهن على أن الائتلاف سيقود إسرائيل والمنطقة إلى كارثة. بعد مرور أقل من عام، تبيّن للعالم حجم وفداحة تلك الكارثة.

التوقعاتُّ لم تجانب الصواب. ولم تكن تنجيماً بالغيب، بل هي نتاج معرفة وخبرة وتجربة، ومن منطلق أنه ليس للتطرف حدود يقف عندها. المفاجأة الوحيدة تمثلت في أن لا أحد من المراقبين والمحللين تنبأ بحجم وحدّة ودموية ما سيحدث.

الإعلان عن الائتلاف بين حزب «الليكود» بقيادة نتنياهو وبقية الأحزاب اليمينية المتطرفة كان، في رأيي، بمثابة رسالة واضحة موجهة إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وإلى حركة «حماس» في قطاع غزة، وإلى الدول العربية، وإلى حلفاء إسرائيل في الغرب.

فيما يخص السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة «حماس» في قطاع غزة تقول الرسالة حرفياً: وداعاً لأوهام السلام. وإن حل الدولتين تلاشى نهائياً، منذ لحظة التوافق على تشكيل الائتلاف وإعلانه رسمياً، ولن يجد له مكانا على أجندة الحكومة المقبلة. وإن وتيرة سياسة مصادرة الأراضي في الضفة الغربية وبناء المستوطنات ستزداد سرعة، وإن المستوطنين سيمنحون صكّا على بياض وبدعم من الحكومة لمواصلة عدوانهم على الفلسطينيين. ومن الواضح أن قادة حركة «حماس» فهموا الرسالة بشكل يختلف عن فهم السلطة الفلسطينية في الضفة، وأخذوا حذرهم واستعدوا للتهديد المقبل. وربما يعود السبب، في رأيي، إلى أن أصحاب العقليات المتطرفة والمتشددة، مهما تباينوا واختلفوا في العقيدة أو في الأهداف، يجيدون قراءة المُخبّأ ما بين السطور في رسائل نظرائهم.

وبالنسبة للدول العربية، أكدت الرسالة أن الطريق إلى أي سلام متوقع بينها وبين إسرائيل، وتطبيع العلاقات لا بد أن يمر عبر قناة حكومة الائتلاف وبشروطه. ومن أهم تلك الشروط أن اتفاق أبراهام للسلام لا علاقة له بالفلسطينيين وقياداتهم، أو بتقديم تنازلات إسرائيلية لأجلهم.

أما الجزء الخاص بحلفاء إسرائيل في الغرب، فإن نفس الرسالة تؤكد أن إسرائيل دولة «ديمقراطية»، وحكومتها منتخبة ديمقراطياً، وأنها ملزمة ديمقراطياً وأخلاقياً ودستورياً بتنفيذ رغبات الناخبين الذين أوصلوها إلى الحكم.

وهي حرة الإرادة ومستقلة القرار في اتخاذ ما تراه مناسباً من سياسات تتسق مع رغبات ناخبيها وما قدمته لهم من وعود، ولا تتلقى أوامر من الخارج، حتى من أقرب أصدقائها وحلفائها. لكنه لدى إشعاله الحرب، ورد الفعل الدولي ضد ما يرتكب من قتل وتدمير، اضطر للرضوخ لقبول ضغوط واشنطن، بالموافقة على هدنة قصيرة.

تنفيذ ما جاء في الرسالة لم يكن صعباً. وبدأ تطبيق محتواها منذ اليوم الأول لوجود الحكومة. ردود الأفعال، فلسطينياً وعربياً ودولياً، لم تتباين كثيراً. كان هناك توجس وقلق وخوف لدى الجميع، منذ الإعلان عن تشكيل الائتلاف. وتم التعبير عنه بأشكال مختلفة.

لكن، هل كانت الحربُ الحالية في غزة متوقعة؟

الجواب المبدئي بالنفي. ذلك أن مبادرة «حماس» العسكرية، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فاجأت الجميع. كما أن رد الفعل الإسرائيلي الغاضب فاق كل التوقعات.

وما سيحدث حالياً من تطورات عقب انتهاء الهدنة المؤقتة ليس بمقدور أحد التكهن به، رغم ما حملته وسائل الإعلام من تصريحات مقبلة من إسرائيل تتحدث علناً عن مواصلة الحرب والقضاء على حركة «حماس»، وأخرى تتحدث عن رغبة في تهجير سكان القطاع وإغلاق الملف. وليس سهلاً تهجير أكثر من مليوني فلسطيني، حتى من خلال مبادرات تطوعية من قبل بعض البلدان العربية أو غيرها. والأهم من ذلك أن الهدف الإسرائيلي من الحرب في القضاء على حركة «حماس»، لا يبدو ممكناً عسكرياً.

أغلب المعلقين السياسيين العرب أو في الغرب يتفقون على أن حدوث ذلك لن يتم إلا عبر إحداث مجازر قتل وإبادة للسكان المدنيين. وهو ما لم يعد بمستطاع الرأي العام العربي والإسلامي والدولي تقبله أو السماح بحدوثه، عقب ما حدث من مجازر ودمار في شمال غزة. وفي ذات الوقت، فإن التسليم بعدم إمكانية تحقيق ذلك الهدف يفضي بالضرورة إلى نهاية محتومة لنتنياهو وحزب «الليكود» وأحزاب اليمين الديني، وخروجهم جميعا من المسرح مطرودين.

لهذا السبب الأخير والمُهين تحديداً، ألقى نتنياهو وحلفاؤه بأنفسهم وراء مواصلة الحرب.