نتمنى أن ينتهي النقاش والجدل المتكرر بين العرب، في كل مرة يفرض خيار «حمساوي» نفسه على الفلسطينيين وعلى العرب.
ليس هناك أحد ضد الفلسطينيين وضد قضيتهم حتى نتجادل بهذا الشكل الذي يخوِّن فيه بعضنا بعضاً، وليس هناك من لا يعرف أن الإسرائيليين والغرب متواطئان في التغاضي عن حقوق الفلسطينيين، إنما ليس الكل، سواء كان فلسطينياً أو عربياً مع الخيار الـ«حمساوي» في الوصول للأهداف المشتركة ذاتها بيننا وبينهم، وهي إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. مَن يتفق مع «حماس» ومَن يختلف متفق على الأهداف ذاتها، إنما الاختلاف حول الطريقة والأسلوب، وكل فريق هنا يُعيّر الآخر بأن طريقته لم تنفع.
فمن قائل إن المفاوضات لم تنفع بسبب إسرائيل وتعنتها وتخاذل العرب، ومن قائل إن الخيارات القتالية لم تنفع بسبب انفرادها وتهورها.
نتمنى أن يتوقف هذا الجدل العقيم المتكرر، إما أنك معي وإما ضدي، في كل مرة تختار «حماس» القيام بمغامرة بشكل منفرد، وبتوقيت يخدم غيرها.
انسوا كل هذا، وتذكروا أن أهل غزة الآن بين كماشة «حماس» واحتلال إسرائيل، فلا هذا رحمهم، ولا ذاك أخذ برأيهم، إذ قد تكون حساباتهم تختلف، شعب يريد أن يعيش بكرامة، وبلا خوف، ويحلم بمستقبل، إنما لا الاحتلال ولا «حماس» يتركان لهم فرصة، بين حصار وحصار، حصار يجوعهم، وحصار يفرض عليهم الموت، فما الفرق؟ ميت في الحالتين.
هل سُئلوا؟ هل خُيّروا؟ وهل كانت لـ«حماس» خيارات أخرى؟
نعم، كان أمامهم التفكير في أكثر من مليوني إنسان يحتاجون لتأمين وحماية، ومن أجل ذلك كان يجب توحيد كلمة الفلسطينيين أولاً، وقبل أي شيء بين الضفة والقطاع، وجعل القرار فلسطينياً صرفاً خالصاً، يراعي مصالح أهله في الطريقة والتوقيت، إنما هذا الخيار فقد أصرت «حماس» على الابتعاد عنه مسافات، ورفضته على الرغم من كل المحاولات التي بذلت من أجل توحيد الصف الفلسطيني، وحتى تعهدهم مع السلطة الفلسطينية، أمام الكعبة، لم يلزمهم ولم يفلح معهم.
نعم، كان أمامهم التنسيق على الأقل مع السلطة الفلسطينية، وتوزيع الأدوار بينهما.
كان أمامهم الاتفاق والتفاهم مع الدول العربية التي وضعت قضيتهم نصب أعينها، وجعلتهم شرطاً من شروط السلام، مثل المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، لكنهم اختاروا غير ذلك، وشنوا حرباً على كل أشقائهم قبل أن يشنوها على الإسرائيليين.
«حماس» شنّت حربها على كل مَن ستستعين به من أجل وقف إطلاق النار لاحقاً، وستستعين به من أجل إعادة الإعمار لاحقاً، وانساقت وراء من لم يقدم لأهل غزة وفلسطين حجراً يبنون به منزلاً، أو مستشفى يعالجون به مريضاً، أو مدرسة تضم أطفالها.
اختارت «حماس» توقيتاً ظنت أنه يناسبها، ولم تكن لتخسر شيئاً إضافياً غير خسائرها لو أنها انتظرت لترى النتيجة النهائية فيما يخص القضية.
لكن «حماس» اختارت، بل ظنت، أنها ستفرض خيارها هذا على الجميع، وإلا سيكون خائناً للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، فهم -رغماً عن أنف أي فلسطيني- يعلنون أنهم «الممثل الوحيد والحصري» للفلسطينيين.
من أجل الفلسطينيين الآن، تعمل كل القوى العربية المحبة لهم، لحمايتهم، والحفاظ على سلامتهم وحياتهم. من أجل الفلسطينيين أوقفت المفاوضات الباحثة عن حلول للسلام لهم، وعادت المفاوضات الباحثة عن أدنى درجات السلامة لهم، والفرق كبير، وكبير جداً، وهو يحكي باختصار قصة حصار الفلسطينيين بين الاحتلال ومن يمثلهم.
وختاماً، فلا يطول جدالنا مزايدة على خيارات بقية العرب، ومنها الدول الخليجية، فكل دولة تنظر لمصلحة قضاياها الوطنية وأهدافها، وليست على استعداد أبداً، مهما بلغت أهمية القضية الفلسطينية ومكانتها، أن تعطل أهدافها أو تلغيها، فهناك مسؤولية تحملها في أعناقها من أجل أبنائها ومستقبلها، هي على استعداد لتقديم العون والمساعدة دبلوماسياً وإنسانياً للفلسطينيين المحاصرين بين الاحتلال الإسرائيلي والارتهان الـ«حمساوي»، إنما دون أن تتوقف عجلة التنمية لمواطنيها، ومن أراد المزايدة على قرار دولته فليتقدم وأبناؤه ويترك «الكي بورد»!