خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

سيد السخرية

لا شك فيه ولا منازل له. إنه المفكر والأديب الفرنسي فولتير. فرنسوا ماري آردو، المعروف بين الناس بفولتير. عاش في القرن الثامن عشر، أي في العصر الذهبي لمدرسة العقلانية وتوفي عام 1778. ويعتبر من الأدمغة المتحررة التي ساهمت في تفجير الثورة الفرنسية. وجرته عقلانيته إلى التصادم مع السلطات التي زجت به في سجن الباستيل لردح قصير من الزمن. لقد كان من المعجبين به الوصي على العرش الذي سعى للإفراج عنه. وبعد إطلاق سراحه ذهب ليشكره على حسن صنيعه فنصحه الوصي بالتعقل ليمكن مساعدته، فأجابه فولتير: «شكراً لك. ولكن لدي رجاء واحد. وهو أن تكفوا من الاهتمام بإقامتي!»
بيد أن الأديب الكبير لم ينقطع عن انتقاد الأوضاع القائمة. واضطره ذلك إلى الهجرة من فرنسا والعيش في منفى في بريطانيا في وقت متأزم بين البلدين. وكان الإنجليز يشعرون بغضب كبير من فرنسا والفرنسيين. وحدث أن اكتشف الجمهور هويته يوماً فأحاطوا به يزبدون ويعربدون ضده فقال لهم: «أتريدون الاعتداء علي لأنني فرنسي؟ أفلا يكفيني عقاباً بأنني لست إنجليزياً!» فضحك الحاضرون وكسب فولتير صداقة الإنجليز.
ومن ناحية أخرى، أدت كتاباته العقلانية إلى الاصطدام بالكنيسة الكاثوليكية، ولا سيما طائفة اليسوعيين منها. وكان من نتائج هذا التصادم كلمته الشهيرة: «لو قدر لي أن أؤسس ديانة جديدة لوضعت التعصب الديني في صف الخطايا المميتة السبع».
اشتهر فولتير بكلماته الابيغرام أكثر مما اشتهر بالنكات والنوادر. والواقع قلما يتذكر المرء شيئاً من نوادره. وكل ذلك رغم قوله: «سأتوقف عن الموت إذا طرأت في خاطري نكتة أو كلمة لاذعة. والواقع أن موسوعات الفكاهة والبلاغة مليئة باللذاع من أقواله ومنها:
- إن كل بيت من الشعر أو كلمة من النثر بحاجة إلى شرح وتفسير... لا تستحقان الشرح والتفسير.
- إنني أتصور دائماً أنه كما وقعت كارثة هائلة، يصبح الفرنسيون جديين لمدة ستة أسابيع!
- السعداء مكروهون بين الناس. ولهذا سأطلب من السيد بيرييه السماح لي بتعليق لوحة تقول: ينبه فولتير جمهور الأدباء أنه ليس بسعيد مطلقاً.
- لا مجال هناك للعيش بسلام وطمأنينة مع مجنون لئيم. فإذا كان المرء شريفاً في تصرفه معه فإنه سيدعي أنه كان يخافه.
وكغيره من الظرفاء قال فولتير الكثير من الكلام في السخرية من نفسه، كقوله:
- لقد اضطهدوني أكثر مما أستحق.
- إنني أفقد أسناني وهذا يعني أنني أموت بالتقسيط.
- لقد ولدت مضحاكاً محباً للدعابة، ولكن من المؤسف أنني أتصرف أحياناً بالجد والرزانة.
- لقد مضى زمن طويل والناس يضحكون على حسابي. ولكن الحقيقة هي أنني أصبحت الآن أردد هذا الضحك أيضاً عندما اسمعهم يفعلون ذلك.