توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

اليوم التالي لزوال الغرب

التوصل إلى حل واقعي لسؤال العلاقة بين المسلمين والغرب، يحررنا من عبء كبير، ذهني وديني، ومن ثم سياسي.
في أيامنا الغابرة وأيامنا هذه، هناك من يوظفون خطب الجمعة وغيرها في التنديد بالغرب، والدعاء عليه بالفناء والزوال والخسف وتشتيت الشمل. ويستعملون عادة أوصافاً تشير إليه بالتحديد، مثل النصارى والصليبيين... إلخ. قد تكون هذه الدعوات كليشيهات محفوظة، يكررها القائل دون انتباه لمعانيها النهائية. لكن تكرارها على مدى السنين حولّها إلى مسلّمة راسخة، لا تستدعي مراجعة ولا تثير نقاشاً. وبالنظر للسياق الذي تقال فيه، فهي تلبس لبوساً دينياً يحميها من المقارنة العلمية بالوقائع والأرقام.
دعنا نفترض أن الله استجاب دعاء الداعين، فخسف الأرض بالغرب كله، فمات أهله وزال من الوجود. فهل سيكون العالم في اليوم التالي لهذا الخسف أفضل مما كان في اليوم الذي سبقه؟ هل ستكون البشرية، المسلمون وغيرهم، في حال أفضل مما مضى؟
أستطيع الزعم بأن هذا لو حدث، فإن مستوى الحياة في العالم سيتراجع لما يشبه الحال بعيد الحرب العالمية الأولى. ليس فقط لأن الغرب هو الذي يقود تطور العالم، بل لأنه أيضاً يشكل سوقاً لكل ما ينتجه العالم. إذا زال الغرب غداً فلن تجد دول آسيا الصناعية زبوناً لمنتجاتها. وحينئذ سوف تتوقف عن شراء البترول الذي يشغل مصانعها. وحينها لن يستطيع الخليج مثلاً توفير الوظائف لملايين العاملين القادمين من الدول الأخرى، ولن تجد هذه الدول ثمن الغذاء والدواء الذي تحتاجه... وهكذا.
نعلم جميعاً أن حياة البشر أمست متشابكة، بحيث بات مستحيلاً على أي إقليم أن ينجو من تبعات الكوارث التي تحدث في الأقاليم الأخرى. وقد رأينا أمثلة بسيطة في الأزمة المالية عام 2007 وفي الانخفاض الراهن في أسعار البترول، فضلاً عن الكساد العظيم في 1929 أو سنة البطاقة في الخليج عام 1943. وهي جميعاً انعكاسات لأزمات في الغرب.
واضح لكل متأمل في نهايات الأسئلة، أن زوال الغرب، مثل زوال الصين أو اليابان أو الهند مثلاً، لن يحل مشكلاتنا، بل سيحول حياة العالم كله إلى مأساة.
واضح أيضاً أن الرغبة في فناء الغرب وليد لرؤية هروبية، تخشى مساءلة الذات عن أسباب تخلفها، فتعوضها بمفاصلة وجودية فحواها أن العالم لا يتسع للجميع، فإما بقاؤنا وفناؤهم أو العكس. لا تستند هذه الرؤية إلى أساس ديني أو قيمي، بل هي تفريع عن تضخم مفرط لهوية مأزومة.
لو نظرنا للبشر جميعاً، كشركاء حياة ومصير. ولو تأملنا في قوله تعالى «إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين»، فلربما أعدنا النظر في معنى أن نكون مسلمين أو متقين أو عباداً لله. ولقد تحررنا من الضغط الذهني والروحي الشديد لثنائيات مثل مسلم/ كافر، التي تعني في الحقيقة نحن/ هم. ولربما نظرنا للبشر جميعاً كإخوة، تتعدد مشاربهم فيختصمون مرة ويتفقون أخرى. لكنهم يبقون إخوة في الخلق، عباداً لله، وشركاء في بيت واحد، ينتهون إلى مصير واحد.
هذا يعني ببساطة أن نفهم ديننا، لا كامتياز خاص لمن يسمون مسلمين. بل كرسالة للبشر جميعاً، يشارك كل منهم بنصيب فيها، ظاهر أو خفي. من الزاوية المصلحية أيضاً، لا ينبغي أن نرغب في زوال أي أمة أو حضارة. لأن اليوم التالي له سيكون كارثة علينا أيضاً.