مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الحياة مرّة واحدة

أطال الله في عمر (فيروز) عندما غنت: (بكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق، وتكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق)، وبهذه المناسبة إليكم هذه الحكاية الخيالية:
«كان هناك صديقان يسيران في الصحراء، وفي خلال رحلتهما تجادلا حتى وصل بهما الحال إلى أن ضرب أحدهما الآخر على وجهه، فكتب المضروب على الرمال: اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي، واستمر الصديقان في سيرهما إلى أن وجدا واحة فقررا أن يستحما، فعلقت قدم الرجل المضروب بالرمال المتحركة وبدأ في الغرق، ولكن صديقه أمسكه وأنقذه من الغرق فقام وكتب على قطعة من الصخر: اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي». انتهى.
ودلالة هذه الحكاية أنه عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال، حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحوه، ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا أن نكتب ما فعله معنا على الصخر حيث لا يُمحى. انتهى.
لست ممن يؤمنون بهذه المواقف المثالية، إذ لو أنني كنت في مكان ذلك الصديق المضروب، لبادلته الضرب بمثله إذا كنت أقدر عليه، أما لو كان هو أقوى مني فلا شك أنني سوف أطلق ساقي للريح - أي أهرب - وأقاطعه طوال حياتي.
فليس من خلائقي أن أدير خدي الأيسر لمن ضربني على خدي الأيمن، بل إنني قد أنشب أظافري بوجهه، أو على الأقل أضربه ركبة على محاشمه، وهذا أضعف الإيمان.
فنحن لا نعيش في عالم (النرفانا)، ومثلما قال (غوار): إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، بل وقد تبول عليك الثعالب.
هل لاحظتم أنني قد (استأسدت واستفردت) هذا اليوم؟!
طبعاً كل هذا الكلام أو (الفشخرة) هي على صفحات الورق، أما لو أنني طبيت في (ساحة الوغى) - أي الحرب والقتال - فليس من المستبعد أن أقتدي بالنعامة في صفيرها، فالعمر يا سادتي ليس (بعزقة).
صحيح أن (من لم يمت بالسيف مات بغيره)، ولكن ما أبعد الفرق بين أن تموت وأنت مضرج بدمائك بيد رجل أهوج، أو أن تموت وأنت بين أحضان من تحب، وهي تنطقك الشهادة وتمسح على جبينك بكل حنان.
قد لا يستسيغ البعض كلامي هذا، معتبرين إياه شيئاً من الضعف والجبن، ولكنني مقتنع به إلى أقصى الحدود، فليقل عني الناس: جبان جبان، ولا أن يقولوا: الله يرحمه.
طيب: إذا مت وذهبت (طعام جحوش)، فماذا تنفعني بعدها ترحماتهم؟
لا يا أحبابي دعوني أعب من ملذات الدنيا بقدر ما أستطيع من دون أن أذنب، وبعدها (اللي ينزل من السماء تستلقاه الأرض)، فالإنسان لا يعيش في هذه الحياة إلاّ مرة واحدة.