جوزيه غرازيانو دا سيلفا
TT

التحديات الغذائية في الخليج

إن التحديات التي تواجه إنتاج الطعام في قطر ومنطقة الخليج معروفة للجميع، فالمياه العذبة نادرة، كما أن التربة الضحلة السائدة في تلك المنطقة لا تصلح لنمو النباتات، وفي الوقت ذاته فإن نمو السكان وتمدد المدن كبيران جداً، كما أن وفرة النفط والغاز تعود على هذه الدول بالمال الوفير.
والمؤكد أن قطر تظهر شجاعة مثيرة للإعجاب في هذه الظروف، إذ إنها تسعى لتخفيف اعتمادها الطبيعي على واردات الغذاء. ورغم أنها لا يمكنها أبدا أن تصبح سلة خبز نظرا لأن 2.5 في المائة فقط من أراضيها صالحة للزراعة والري (وهي في الحقيقة زيادة بثلاثة أضعاف مقارنة بعقدين ماضيين)، فإنها تبذل مزيدا من الجهود لزيادة قدرتها على إنتاج الطعام وتوفير الأمن الغذائي.
وتطبق قطر استراتيجيات مياه مهمة، وهو الأمر الضروري للغاية، إذا علمنا أن معدل تساقط الأمطار في هذا البلد لا يتعدى 77 مليمترا في العام، أي 10 في المائة من الأمطار التي تتساقط في أي دولة أوروبية. ومن بين هذه الاستراتيجيات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وتشجيع الاستثمارات الزراعية والاستخدام الفعال للموارد المتوفرة.
ولا يمكنني هنا سوى أن أشيد بمشروع «غابة الصحراء»، وهو مقاربة إقليمية للزراعة في ظروف جافة للغاية، وبدأت مرحلته التجريبية في قطر، وافتتح في 2014. وتظهر النتائج الأولية أن قطر قد تتوفر فيها في المستقبل الظروف الملائمة لإنتاج كميات من الخيار والطماطم والفلفل والباذنجان تساوي تلك التي تستوردها حاليا من الخارج.
وهذا أمر مثير للإعجاب مثل غيره من المبادرات المحلية، ومن بينها البحث الذي أجرته جامعة قطر حول تقنية استخلاص الغاز العضوي المنبعث من النفايات وإعادة تدويره. وهناك أيضا مشاريع استثمارات خاصة ضخمة في مجالات الزراعة المائية والدواجن والألبان ومعالجة الأغذية.
وتهدف استراتيجية قطر للأمن الغذائي إلى تعزيز التغذية من خلال تشجيع استهلاك الأغذية المعتمدة على النباتات وتقليل استهلاك الأطعمة المعالجة، والتشجيع على استخدام الأغذية المحلية عند الإمكان وخفض مخلفات الطعام.
وكل هذا يضع قطر في موقع ممتاز لتقود تشجيع ونشر برامج ومشاريع الأمن الغذائي والتغذوي في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا ككل.
إن معدلات التقزم هي طريقة لقياس مستويات سوء التغذية المزمن الذي يؤدي إلى أن يكون الأطفال أقصر قامة بكثير بالنسبة لأعمارهم، ما يعرضهم إلى بطء النمو على جميع الأصعدة. وهذه المعدلات منخفضة جدا في دول الخليج (8 في المائة من السكان)، ولكنها نحو ضعف ذلك في دول المشرق والمغرب المجاورة.
إلا أن العكس هو الصحيح عندما يتعلق الأمر بالسمنة. فقد أظهرت الدراسات أن السمنة ارتفعت الآن إلى ما فوق 34 في المائة في دول الخليج، أي ضعف مستواها تقريبا في دول المغرب العربي.
أما بالنسبة لنقص المغذيات الدقيقة، فإن أنيميا نقص الحديد هي مشكلة صحية عامة خطيرة في هذه الدول، ومن بينها تلك التي تنعم بالثروة النفطية في الخليج.
إن هذا العبء الثلاثي لسوء التغذية - الذي يمكن أن نعرفه على أنه عدم تناول الغذاء الكافي أو تناول كثير من الغذاء أو تناول النوع غير الصحيح من الغذاء - يوجد غالبا في البلد نفسه والمجتمع نفسه وحتى في العائلة نفسها. وهو عبء تتحمله كثير من دول المنطقة وتجب معالجته.
ومن المهم بشكل خاص بالنسبة لقطر أن تعمل جنبا إلى جنب في إطار تحالفات إقليمية لنشر الوعي بالمشكلات الشائعة في الأراضي الجافة وبناء التضامن ونشر بناء الصمود للاستفادة من مبادرة «التحالف العالمي للأراضي الجافة»، المشروع النبيل الذي أطلقته قطر والذي تدعمه منظمة «الفاو».
وآمل وأثق أننا سنتمكن من استكشاف طرق جديدة تمكن «الفاو» من دعم جميع دول الخليج لتحقيق أهدافها المتعلقة بأمن الغذاء والتغذية بشكل مستدام.
* المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)