مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

البنت (رمّانة) والبنت (تفاحة)

تقول الروايات - وما أكثر ما تقول:
إن صاحب بستان دخل على الحارس هناك وطلب منه أن يأتيه برمّانة، وكلما أتى بواحدة وجدها حامضة، فغضب منه سيده وقال له: لك الآن أكثر من سنة هنا ولا تفرق بين الحلوة والحامضة، فرد عليه قائلاً: إنك جعلتني حارساً لا متذوقاً للرمّان. فأعجب سيده بأمانته، لهذا زوجه ابنته، التي أنجبت فيما بعد العالم الجليل (عبد الله بن المبارك).
والرواية الثانية أن رجلاً كان يسير بجانب بستان، ووجد تفاحة ساقطة فأكلها، وبعدها أنبه ضميره، وذهب إلى صاحب البستان وحدثه بالأمر، وعرض عليه إما أن يسامحه أو يدفع ثمن التفاحة.
فأعجب به كذلك صاحب البستان وقال له: لن أسامحك إلاّ إذا تزوجت ابنتي الخرساء العمياء الصماء المشلولة.
وبعد أن وازن الرجل بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وافق على هذه الصفقة. ولما دخل على عروسه فإذا بها غاية في الجمال والصحة، وسألها متعجباً: لماذا وصفك والدك بذلك الوصف؟!
فقالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، وخرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام. وأنجبت له فيما بعد الإمام (أبو حنيفة) - انتهى.
الواقع أنني لا أعرف اسمي البنتين، ولكن حري بي أن أطلق على الأولى اسم رمّانة، والثانية تفاحة، فهذان الاسمان هما اللائقان بهما شكلاً ومعنى.
وذهب بي الخيال بعيداً، وتصورت لو أن صاحب البستان الأول كان يزرع شماماً، والثاني كان يزرع بطيخاً، فهل من اللائق أن نسمي البنت الأولى (شمّامة)، والثانية (بطيخة)؟!
أما أفضل من ذلك لو أن صاحب البستان كان يزرع برتقالاً، فلا شك أننا سوف نطلق على ابنته اسم (البرتقالة).
والآن، الآن فقط تذكرت أغنية عراقية تحمل هذا الاسم، فتوقفت عن الكتابة وأتيت ببرتقالة وعصرتها، وبعدها بدأت أكتب وأمزمز على كأس العصير والمسجل يشنف أذني بسماع الأغنية التي تقول: يالبرتقاله عذبتي حاله - اشلك على ابن الناس بس ارحمي حاله - يا حلوة الحلوات مثل الغزاله - مكحلة العينين - حيرت كل الناس يالبرتقاله.
غير أن تلك البرتقالة ما غيرها جابت خبر المطرب (علاء سعد) وأصابته بالفشل الكلوي، وتوفي المسكين وهو في عز شبابه.
وأطلب من كل من كان هو مثلي له قلب أخضر و(فاضي) ويحب الطرب، أن يستمع ويشاهد تلك الأغنية ويترحم على مؤديها، وسوف يكتشف مثلما اكتشفت أنا أن أغلب الراقصات في ذلك التسجيل، هن أجمل من التي قيلت بها الأغنية - خصوصاً صاحبة الفستان أو (الفصطان) الأزرق.
آه، يالبرتقالا، يالبرتقالا.