خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من قواعد الأمثال

القاعدة في معظم اللغات؛ بما فيها اللغة العربية، أن المثل يقال بصيغته الأصلية كما قيلت ووردت؛ إذا كان بالعامية، فلا يصح تحويله إلى الفصحى، وكذلك إذا ورد في جملة اسمية أو فعلية مثلاً، وأحياناً يحتفظ به حتى إذا ورد بلغة أجنبية كالفارسية أو الإنجليزية. من الشواهد على ما ذكرت القول الشائع: «زبّال صار طبّال».
كلنا نكره ما يقوله صاحب الارتقاء إلى منصب أعلى، فكثيراً ما يحدث في أيام الأزمات والحروب أن يرتقي إنسان من مستوى إلى مستوى أعلى ويصبح غني حرب. يرتقي مثل هؤلاء من الأفاقين أو المغامرين إلى قمم المجد والثروة بسرعة لا تعطيهم الفرصة للتأقلم والانسجام مع مراكزهم الجديدة، حتى أصبحوا قذى في الأعين.
تثير دائماً هذه الفصيلة من الناس الاشمئزاز الممزوج أحياناً بالحسد. نقول عنهم في لهجتنا العامية: «نافخ نفسه». ويقول عنهم أهل اسكوتلندا: «لابس فراء، ولكن من دون لباس»، وفي شرق آسيا يقولون: «عصفور يريد الزواج ببطة»! وقد حذر الله تعالى في كتابه الحكيم ممن يصعِّر خده للناس ويمشي في الأرض مرحاً.
كثيراً ما يتغلب الغرور على هذه الفئة المتغطرسة من حديثي النعمة، فشاعت في حقهم الأمثال والأشعار، وقد ورد في الموسوعة: «قالوا في الأمثال نخبة طريفة مما شاع من ذلك في الجزيرة العربية، كقولهم: (اللي يجيلو نعمة بعد فقر، ادعوا له بثبتان العقل)». وأيضاً: «إن كنتوا نسيتوا اللي جرى، هاتوا الدفاتر تنقرا!»
من زخرفات الأمثال السجع في المقال، كقولهم: «سبحان العاطي الوهاب بعد الشبشب والقبقاب». وأيضاً: «قالوا يا سيدي شرفني، قالوا حتى يموت اللي يعرفني!»
تعبر هذه الأمثلة عن الماضي الوضيع الذي يحاول حديث النعمة أن يتناساه. على غرار هذه الأمثال المثل القائل: «زبّال صار طبّال!» والمثل طريف من حيث إن المنزلتين في الواقع وضيعتان، ولكن واحدة منهما أقل وضاعة من الأخرى، فأعطت صاحبها شيئاً من الزهو والاعتداد بالنفس.
كثيراً ما ترتبط الأمثال بحكايات... وهنا تقول الحكاية إن زبالاً كان يعتمد على حماره الصغير في جمع القمامة ونقلها، شأنه في ذلك الزمن شأن بقية الزبالين، ولكن حماره هذا مات في أجله المحتوم؛ جوعاً أو مرضاً أو تعباً، أو ربما قرفاً من عالمنا هذا. راح صاحبه ينتحب ويضرب على رأسه من هول المصاب، فلو أنه فقد زوجته، لهانَ عليه الخطب... يستطيع أن يستغني عنها، ولكن كيف يستطيع أن يستغني عن حماره؟ أشار عليه أحد الحكماء بأن يسلخ جلد حماره ويصنع منه طبلاً، ويعيش من التطبيل في الحفلات والمناسبات، ففعل، ووجد نفسه يكسب أضعاف ما كان يحصل عليه من نقل الزبالة، فالتطبيل في عالمنا العربي مهمة رابحة. حدث أن دعاه أحد زملائه الزبالين إلى أن يحضر ويطبل في عرس ابنته، فأبى واستكبر وقال: «أنا أفعل ذلك؟! أدنس مهنتي بالتطبيل في عرس زبال؟!»، فذكّره صاحبه بأمسه القريب وراح يروي حكايته للناس ويقول: «ماذا أفعل؟ زبال وصار طبال!».