حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أمم وليس أمة!

خطوط رفيعة ولكنها واضحة، تلك التي تفصل بين مفهوم الأمة الواحدة والأمم المتعددة المتفرقة. الأولى هي فكرة مبنية ومؤسسة على التوافق والتكامل وعلى الجامع الأعظم بين الناس، أما الثانية منهما فهي التركيز بشكل أساسي على كل ما يفرق ويشتت الناس. وهذا هو المأزق الذي يعيش فيه العالم العربي منذ ستينات القرن الماضي، وهي منطقة مؤلمة ولدت نكسة 1967 وبعدها الحرب الأهلية اللبنانية وغزو العراق للكويت واحتلال لبنان من قبل سوريا وصعود الحركات الإرهابية التكفيرية، مثل «القاعدة» و«حزب الله»، وهي كلها بلا استثناء محطات تزكي التطرف وتمزيق البيئة الاجتماعية والسلم الأهلي للعالم العربي، وهي فاتورة يدفع العالم ثمنها اليوم وبشكل مقزز ومخيف.
السؤال الذي يفرض نفسه ولا يجد الإجابة الشافية الكافية هو: لماذا يستمر العالم العربي عصياً على تطوير فكرة التعايش والتسامح، واستمراره تربة خصبة للتطرف والعنصرية والتشدد والتمييز؟ على عكس مناطق أخرى من العالم التي لديها درجات عالية من القبول للآخر (لا يمكن قياس الفترة الحالية في الغرب على أنها القاعدة بل هي الشواذ للقاعدة)، منذ النزوح الكبير والخروج العظيم للجوء، وتلاه الخروج المتواصل للمسيحيين، واضطهاد الأقليات المستمر يجعل من هذا الطرح للسؤال سؤالاً حقيقياً ومشروعاً وحتمياً؛ لأنه من الواضح أن السؤال يستحق أن يطرح في ظل من الخطاب السياسي (المتجاهل لهذه الظاهرة) والخطاب الديني (المزكي لها بالآراء المضللة)، وكانت هذه المسألة يتم غض الطرف عنها من قبل المجتمع الدولي، ما دامت شأناً داخلياً بحتاً لا يمس أحداً آخر ولا يضر بالغير.
لكن هذا النهج انتقل إلى خارج الحدود ووصل إلى أراضي الدول الغربية وأحدث فيها هزات أمنية مؤثرة بات من غير المعقول تجاهلها أو إنكار وجودها، وبالتالي كان لا بد من التعاطي معها بوصفها خطراً على الأمن الوطني والسلم الأهلي، ومع شديد الأسف استهان العالم العربي بهذه المسألة وتعامل معها على أنها مجرد فصل جديد في سلسلة المؤامرة عليه ولم يبحث في أصل المشكلة وجذورها ومحاولة أن يقتلعها ويواجهها ويعالجها، وهي حالة إنكار نادرة وفريدة من نوعها. وبالتالي ظهرت ردود الفعل الغريبة التي «تستنكر» قيام الدول الغربية بحظر الدخول إليها من قبل بعض الدول التي صنفت ووصفت على أنها راعية للإرهاب وتربة خصبة له. هناك وجهة نظر أمنية وفكرية لدى هذه الدول تسعى لتطبيقها حماية لنفسها، ولكن الكارثة الكبرى أن يكون الطرح مع هذه المجاميع من وجهة نظر أمنية (وهي تلقى نجاحات لافتة ومهمة) مع فشل ذريع في المواجهات الفكرية؛ إذ لا تزال علامات العنصرية والتطرف والتشدد تملأ الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، ولدى الجماعات الإرهابية القدرة الناجحة والفعالة على الاستمرار في استقطاب الشباب للانضمام إليها.
لقد تشكلت أمم عربية ولم تعد هناك أي أمة واحدة، وباتت هذه الأمم مفرخة متطورة للإرهاب والعنصرية والتشدد، وتحولت إلى «عدوى» عالمية تصيب غيرها بالأمراض القاتلة.