أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

حضور طاغٍ واستقبال استثنائي

تأويلات كثيرة ذكرت حول جولة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى آسيا. وكثرة التأويلات مكافئ لحجم الضيف والظروف المحيطة، ولذا أصبحت مادة إعلامية غنية للتحليل والتفسير حتى في صحف الدول الآسيوية التي لم يصلها الملك سلمان بعد، وبعضها ليست حتى ضمن الدول المجدولة في الزيارة.
ولأنه خادم الحرمين الشريفين، يحظى الملك سلمان بمكانة كبيرة لا يضاهيها أي حاكم في العالم، المسلمون في آسيا ينظرون إليه حامياً للإسلام وخادماً للحرمين، ويستمدون قوتهم من وقته، ويطمئنون لسلامة المملكة التي تضم الحرمين على أمنهم وسلامتهم، والتي تعلن دائماً رعايتها وخدمتها للمسلمين في كل العالم.
لا شك أن العالم الإسلامي اليوم يمثل قوة هائلة، بشرياً واقتصادياً وثقافياً، أكثر من 1.6 مليار مسلم يتوجهون إلى الكعبة في صلواتهم، وأسمى أمنياتهم زيارة الحرم المكي في مكة المكرمة للحج أو العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. وكل روابطهم الثقافية والاقتصادية مع السعودية تحظى بأولوية واهتمام، خصوصاً مع الحضور السياسي العالمي الكبير للمملكة في المحافل الدولية وقيادتها لقضايا العالم الإسلامي. هذه الخصائص والمسؤوليات العظيمة هي محتكرة قدراً على المملكة العربية السعودية دون سواها، ومن منطلق هذا الشعور المتنامي في نفوس المسلمين في آسيا وغيرها، اكتسبت شخصية خادم الحرمين وجاهة كبيرة وحضوراً طاغياً لوحظ في استقبال استثنائي من القيادات السياسية في ماليزيا وإندونيسيا واحتراماً جماً أظهره علماء الدين الإسلامي في تلكما الدولتين وهم يقبلون رأس خادم الحرمين تكريماً وتقديراً لدوره في رعاية وخدمة الحرمين الشريفين.
ومع كل هذه الآثار المعنوية للزيارتين، كان للتعاون الاقتصادي دور مهم، مع دول تمتلك قوة بشرية وتقدماً علمياً تكنولوجياً متميزاً، كلا البلدين أعربا عن رغبتهما بأن يكونا شركاء في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتم بالفعل التوقيع على مشروعات وبرامج واعدة. أما أهم ما خرجت به زيارة الملك سلمان إلى ماليزيا فهو تأسيس «مركز الملك سلمان للسلام العالمي»، الذي أسس على وجهتي نظر متطابقتين حول أهمية نبذ العنف والطائفية ومحاربة الإرهاب. كما خرج البيان المشترك من الطرفين يدعو لذلك، ويشير إشارة واضحة إلى رفض التدخلات الإيرانية في المنطقة وسعيها إلى تأجيج الطائفية، التي هي بالنهاية وقود العنف والكراهية.
الإيرانيون بدورهم شعروا بأن السعودية استهدفت من زيارة البلدين؛ ماليزيا وإندونيسيا التحريض على إيران، والتعرض لسمعتها، وتحجيم الوجود الشيعي في ماليزيا والتضييق عليهم في إندونيسيا. والحقيقة أن هذا غير صحيح لأسباب عدة، منها أن مسلمي ماليزيا يمثلون 60 في المائة من الشعب الماليزي البالغ عدده 30 مليوناً، وهم سنة، والوجود الشيعي لا يكاد يذكر، بعضهم يرجح أنه لا يصل إلى 0.5 في المائة، مع ذلك، هذه النسبة مقلقة للحكومة التي لاحظت أن التشيع الذي تتمثل مظاهره بالاحتفاليات والأنشطة الاجتماعية مدعوم من الملحقية الثقافية للسفارة الإيرانية في كوالالمبور، رغم نفي الأخيرة التي تؤكد أنهم سياح وطلبة، وتخشى الحكومة أن نشر التشيع على هذا النحو السري قد يؤدي إلى تقويض السلم الاجتماعي بين المسلمين، ويؤدي في نهاية المطاف إلى صراعات مذهبية، مثلما حصل مع جارتها إندونيسيا ذات الكثافة السكانية الكبيرة (250 مليون نسمة)، حيث كان الشيعة قلة مسالمة موجودة حتى قبل الثورة الإيرانية، لكن تدخلات المال الإيراني والدعم اللوجيستي خارج إطار القانون، أدى إلى تحول المزاج الاجتماعي السلمي تجاههم إلى عداء، وثارت بينهم بكل أسف مواجهات غذتها المؤسسات الإيرانية هناك. الشيعة في العالم الإسلامي أقلية، ومن حق كل شيعي أن يمارس شعائره وطقوسه كما يحلو له طالما روعي النظام والقانون. الحقيقة أن المشكلة الفعلية للشيعة ليست السنة ولا الحكام المسلمين السنة، مشكلتهم هي محاولات إيران المستميتة لدعمهم بطرقها الملتوية وعناوينها الكاذبة، فتثير حولهم شبهات وتطبعهم بغير طباعهم، فتقطعهم عن نسيجهم الاجتماعي وتجعلهم عرضة لمواجهة مع مواطنيهم السنة ومع الدولة. هي بالنهاية لا تهدف لنشر التشيع حباً في آل البيت، بل لتطويعهم واستخدامهم في مشروعاتها التوسعية، كما حصل مع شيعة باكستان وأفغانستان الذين استدعتهم في سوريا للقتال مع حرسها الثوري الذي تعتبره إلهاماً إلهياً.
قضايا العالم الإسلامي كبيرة ومشكلاتها تزداد تعقيداً، والتحديات لا تنتهي، من القضية الفلسطينية والوضع الإنساني المريع في سوريا واليمن والوضع المقلق للأقليات المسلمة في آسيا وأفريقيا، وحتى مكافحة الإرهاب الذي زرعه بيننا متطرفون مسلمون، نكافحهم من جهة حماية لأنفسنا، ونتبرأ منهم من جهة أخرى حماية لاسم الإسلام وقيمته الإنسانية الرفيعة.
هذا ما يمكن الإشارة إليه في المحطة الأولى لزيارة العاهل السعودي إلى آسيا، أما بقية الدول المزمع زيارتها كاليابان والصين، فلها شأن آخر، وأهداف أخرى، ومقال آخر.

[email protected]