سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المستشارون

يؤدي أعضاء الإدارة الأميركية في الحالات العادية، أدواراً أساسية في سياسة الدولة، في ذي الاتجاه، أو ذاك. على ما قال النحويون. فالرئيس، في الغالب، يصغي إلى وزرائه ومستشاريه، كل في دائرته. وقد ارتبطت بعض السياسات باسم المساعدين أكثر مما باسم الرئيس نفسه، على رغم قوته وصلاحياته التنفيذية. فذهب اسم الجنرال جورج مارشال مثلاً، في صناعة سلام ما بعد الحرب، بينما ذهب اسم هنري كيسنجر مثلاً، في حروب ما بعد الحرب.
تطلع العالم بفضول وقلق إلى تعيينات دونالد ترمب: هل سينضم إلى إدارته أشخاص يضبطون حماسياته أم يضيفون إليها؟ علّمنا التاريخ أن المستشارين يمكن أن يضعوا العالم برمّته على حافة الهلاك. وكان الزعيم الفرنسي جورج كليمنصو يقول إن التاريخ يكرر نفسه، لكن علينا أن نمنعه من ذلك.
اشتهر جون كيندي بأنه أول من حرص على التقاء نخبة المستشارين، وبينهم المؤرخون الكبار. وفي عهده وقعت أخطر أزمة دولية عام 1962 عندما نشر السوفيات صواريخ نووية في كوبا على بعد 90 ميلاً من الساحل الأميركي. ورأت واشنطن في ذلك تهديداً لأمتها، متجاهلة أنها تنشر الصواريخ النووية على مدى الحدود السوفياتية.
ضرب الأميركيون حصاراً حول كوبا. وأعلن كيندي أن السفن الحربية سوف تعترض أي سفينة روسية قادمة في عرض البحر، وإذا لم تمتثل لأوامر التفتيش، سوف تطلق عليها النار. ولم يعرف الأميركيون إلا بعد وقت طويل، أن السوفيات كانوا قد زرعوا 150 رأساً نووية في كوبا كافية لتدمير أميركا لو اندلعت الشرارة.
يقول وزير دفاع كيندي، روبرت ماكنمارا في مذكراته، إن مستشاري الرئيس انقسموا حول الأمر. لكن جنرالات الأركان جميعهم لوَّحوا بالضرب. وقد اقتنع كيندي برأي هؤلاء. وخطب الرئيس الأميركي يبلغهم أنه لا بد من الضرب قبل فوات الأوان. ويقول ماكنمارا إن جنرالات الأركان كانوا قد أوصوا بضرب كوبا نفسها بالسلاح النووي، من أجل تحذير السوفيات، مما قد يُشعل حرباً عالمية بلا نهاية، إلا، ربما، نهاية العالم.
أنا من الذين يشعرون بالخوف كلما جاء ترمب بمستشار متشدد. أو كلما زاد الزيادة الكبرى في موازنات «الدفاع». الأجدى، «مشروع مارشال» جديد، يقدمه عسكري مثله.