د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

ترمب: الهجوم لرد الاعتبار

كل سلوك سياسي يحمل معاني ورسائل سواء كانت مباشرة أو غير ذلك، خصوصًا ذلك السلوك الذي يعبر عن توتر ويكشف عن استراتيجية هجوم واضحة ومكشوفة جدًا.
لذلك، فإن الانتقادات شديدة اللهجة والتوصيف والتصريح التي أدلى بها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب ضد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تستحق التوقف والقراءة والاستنتاج.
طبعًا لا شك في أنها انتقادات تستبطن محاولة رد الفعل ضد المواقف الصادمة والأخرى المحتشمة التي تم التعبير عنها نبرة وصمتًا أثناء الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسيّة. وأغلب الظن أن الرسالة قد وصلت، ولكن عيب هذه الرسالة أنها مغرقة في المباشراتية ومحرجة إلى درجة أنها تستدعي من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ردًا ودفاعًا عن النفس.
وفي الحقيقة فإن ترمب عرف كيف يُوجع الاتحاد الأوروبي، فهو وجه له انتقادات لا يمكن تفنيد مضامينها جملة وتفصيلاً باعتبار أن الاتحاد الأوروبي فعلاً يعيش أزمة وتضررًا رمزيًا كثيرًا بإعلان المملكة المتحدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفسر تحسس الاتحاد من الانتقادات.
ومن جهة ثانية، الواضح أن رئيس الولايات المتحدة الجديد بصدد وضع موازين القوى على النحو الذي يخدم مستقبل العلاقة بينه وبين أوروبا، أي أن الهجوم المتعمد من أجل تحديد الأحجام بالمعنى السياسي، وليس انتقادًا من أجل القطيعة، وإذ نذهب إلى هذا المنحى من القراءة؛ فذلك لاستحالة انخراط الولايات المتحدة في سياسة خارجية قائمة على الانعزال، إذ السياسة لا تُضبَط من طرف شخص واحد، حتى ولو كان ذلك الشخص هو الرئيس.
السؤال: هل كان ترمب موفقًا في اعتماد استراتيجية الهجوم والنقد الشديد اللهجة؟
في الحقيقة إنه ربما كان من الممكن اعتماد استراتيجية الغزل بدلاً من استراتيجية النقد الذي يهمش الطرف المنتقد، خصوصًا أن ترمب يحتاج إلى بناء علاقات ثقة وقبول بينه وبين دول أوروبية عديدة وليس من صالحه بداية مرحلته السياسية بالتوتر مع الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بشكل عام.
طبعًا انتقاداته التي يمكن أن يشتم منها نوع من الاستعلاء يمكن أن تندرج ضمن الخيار القومي الأميركي المحض الذي عبر عنه خلال حملته الانتخابية، حيث أبرز أن هاجسه الأول الولايات المتحدة، واتسم خطابه بشيء من التمييز سواء ضد فئات في الداخل أو الخارج.
الواضح هو وجود ضبابية في الخطاب والاستراتيجية ونوع من الغموض، فمن جهة لا يمكن لأي دولة اليوم الانعزال فما بالنا بأكبر دولة في العالم؟! ومن جهة ثانية ليس من مصلحة ترمب تبني خطاب يؤجج التوتر.
كما أن اللحظة الدولية اليوم وتحديدًا ما يتعلق بقضية الإرهاب تحتاج إلى تضافر القوى الكبرى في العالم لا إلى الانتقادات التي تعمل على التباعد أكثر من تقريب وجهات النظر والمواقف والسياسات.
طبعًا الانتقادات المشار إليها من شأنها أن تضع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي في موقف حرج باعتبار أن الرد القوي والمفحم غير وارد، وأن انتقادات ترمب ليست خاطئة مائة في المائة.
يمكن القول إن العالم اليوم لا يستطيع أن يحدد الصورة التي ستكون عليها سياسة الإدارة الأميركية في عهد ترمب: كل شيء غير واضح ومفتوح على سيناريوهات عديدة، وهو ما يعني أن الإدارة الجديدة لم تعط الاهتمام الكافي إلى الآن بمسألة بعث صورة إيجابية وعلاقات تقوم على التفاعل إلى دول العالم، ذلك أن التصريحات أثناء الحملة الانتخابية يمكن وصفها بالعام، حيث رأينا في الحملة الانتخابية ما تضمنه خطاب الرئيس الجديد من مواقف حول العرب والإسلام، وها هو يبعث برسائل تبدو غير إيجابية إلى الاتحاد الأوروبي إلى درجة نتساءل فيها: هل المصلحة تكمن في هذه السياسة؟
طبعًا المنطق السياسي يراهن على أن هذه الضبابية لن تتواصل كثيرًا، إذ لجأ إليها الرئيس الجديد لقياس المواقف ثم في ضوء التوترات وما ستسفر عنه يعيد ترتيب العلاقات بدول العالم في ضوء خياراته وسياسة إدارته التي يرغب في اعتمادها.
لقد بدأ ترمب فترة الرئاسة بالانتقاد وبالترفيع في منسوب التوتر، وهي بداية لا تحتمل أكثر من فرضيتين؛ إما أنها سياسة جس نبض، وإعادة ترتيب علاقات طبقًا لقوانين جديدة، وإما أن الرجل جاد في التركيز على الداخل والتقليص من النوافذ المطلة على الخارج.
وإذا صحت الفرضية الثانية، فإن ذلك يعني أن رئيس الولايات المتحدة الجديد يريد أن يتجاوز صورة الولايات المتحدة كسيدة للعالم.