د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

أوباما والفرصة الفلسطينية

قبل أقل من شهر من نهاية ولايته سدد الرئيس الأميركي باراك أوباما لكمة سياسيّة لدونالد ترامب مفاجئة جدًا. ويمكن القول إنها ضربة من شأنها أن تجعل من بداية حكمه محفوفة بالصعوبات، حيث ضيق عليه الخناق في الشأن الإسرائيلي ودوليًا من خلال زرع التوتر بينه وبين المجتمع الدولي.
لقد عرف أوباما كيف يثأر من ترامب وكيف يراوغه سياسيًا بطريقة لم يكن أحد يتوقعها وتعد سابقة تاريخية مقارنة بالصداقة المقدسة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. بل إن ما قام به أوباما أخيرًا ضد إسرائيل قد أطاح بما نعرفه عن الثوابت الأميركية وصلابة اللوبي الإسرائيلي الذي يقبض على الأنفاس السياسية لأي نخبة سياسية تدخل البيت الأبيض.
إن عدم استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو لصالح إسرائيل يمثل تحولاً نوعيًا يجب ألا يغفل عن دلالته الجانبان الفلسطيني والعربي.
طبعًا يجب ألا يذهب في بالنا أننا أمام تحول مواقفي مبدئي، بل نحن أمام توتر نخب داخل الولايات المتحدة يتقاطع مع المصلحة الفلسطينية. ومن المهم فهم هذه النقطة جيدًا كي لا نشطح كثيرًا في المثاليات ونضيع الوقت في استثماره لصالحنا، باعتبار أن السياسة عالم متحرك جدًا ويشترط سرعة اللحظة وسرعة التقاط الرسالة، حتى ولو كانت موجهة بالخطأ إلى الفلسطينيين.
ذلك أن أوباما أراد أن يسدد ضربة قوية لترامب من خلال إسرائيل: فترامب تغزل بإسرائيل خلال حملته الانتخابية وأعلن دعمه لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، كما أنه عين مدير حملته الانتخابية سفيرًا لدى إسرائيل وتحدث عن القدس كعاصمة لإسرائيل.
ومن منطلق هذه الخطوات والوعود التي قام بها ترامب، كانت ضربة أوباما التي صاغها على مقاس المودة العميقة بين ترامب ونتنياهو.
فما جاء على لسان وزير الخارجية جون كيري في منظمة الأمم المتحدة كان دقيقًا وواضحًا وصارمًا صرامة ناعمة: بداية من حل النزاع على أساس حل الدولتين والتفاوض على أساس حدود 1967 مع طرحه المدافع عن حق عرب إسرائيل في المساواة، باعتبارهم مواطنين إسرائيليين، وكذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين، دون أن ننسى القضية الأم القدس كعاصمة معترف بها دوليًا للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
لقد سحب أوباما في ضربة واحدة صادمة البساط من ترامب ووضعه في امتحان صعب مع إسرائيل التي تراهن عليه أكثر من أي رئيس أميركي سابق.
إن التصويت ضد الاستيطان الإسرائيلي حدثٌ بأتم معنى الكلمة، إذ يعكس حيادًا دوليًا يمكن أن تستثمره فلسطين لصالح قضيتها، خصوصًا أن الرئيس الأميركي المنتخب الذي سيباشر مهامه في البيت الأبيض بعد قرابة الثلاثة أسابيع، سيجد الوضع معقدًا، وأي خرق سيطبع بداية مرحلته بفتور في العلاقات الخارجية.
من جهة ثانية لم يتأخر أوباما في التسويق لعدم شفافية فوز ترامب في الانتخابات واتهام روسيا بالتدخل.. وكل هذا يمس رمزيًا من مصداقية الديمقراطية الأميركية أكثر حتى من مصداقية الفائز نفسه.
يمكن القول إن استراتيجية أوباما في الثأر من ترامب وإزعاجه قبل أن يدخل البيت الأبيض، تتقاطع بشكل مدهش مع مصلحة القضية الفلسطينية ومطالبها.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه حاليًا: هل الطرف الفلسطيني قادر فعلاً وعمليًا على استثمار هذه الهدية غير المقصودة التي قدمها أوباما للفلسطينيين الذين لطالما عاشوا تحت قهر الفيتو الأميركي؟
لقد أرسل جون كيري في كلمته رسالة واضحة للفلسطينيين، وهي أن مطلب إسرائيل هو الأمن. ومن ثم، فإن الحكمة الفلسطينية اليوم يجب أن تعمل في المسألة الأمنية، وأن تضغط السلطة الفلسطينية على حماس وغيرها، كي يكون الأداء الفلسطيني في مستوى اللحظة الدولية الراهنة وألا يقدموا لإسرائيل أي ذريعة.
لا شك في أن إسرائيل ستقوم باستفزازات ولن تدخر جهدًا للإيقاع بالأطراف الفلسطينية في الخطأ. ولكن يبدو لي أن عدم الرد على كل الاستفزازات في الوقت الراهن، سيكون نقطة قوة فلسطينية وسيكون عدم الرد دفاعًا فلسطينيًا عن النفس.
يجب كسب المجتمع الدولي مهما كانت التجاوزات والاستفزازات، ذلك أننا في لحظة يمكن أن تعاد فيها صياغة موازين القوى بشكل يتماشى أكثر مع المصلحة الفلسطينية، مما يعني أنه لا حل أمام الفلسطينيين إلا أن يكونوا إيجابيين وألا يخسروا التضامن الدولي الرّاهن حتى ولو كان تضامنًا محسوبًا ويخدم أجندات مسكوتًا عنها.
من المهم جدًا أن نكون براغماتيين في عالم براغماتي جدًا وأن نعمل العقل قبل الانفعال: المؤكد أنه أمام الفلسطينيين فرصة لتحريك قضيتهم نحو الحل والتفاوض في ظل حصانة دولية.
كل الرهان على الذكاء الفلسطيني وعلى ضبط النفس. فالصمت ليس دائمًا ضعفًا. بل لعله القوة المدوية.